شعراؤنا الكبار الذين جُمعت أشعارهم وصدرت في دواوين مطبوعة هم الأوفر نصيباً من حيث تداول قصائدهم بين الناس ومن حيث الحضور في وسائل الإعلام المُتعددة، لكن هذا الأمر لا ينطبق كثيراً على قصائد الشاعر الكبير نمر بن صنت (1340-1420ه) رحمه الله، التي لا يكاد المتلقي يعرف منها إلا بعض القصائد كقصيدته الشهيرة (نجمة الصبح) أو قصيدة (مكتوبٍ مظرّف) التي عرفناها بصوت الشاعر حبيّب العازمي إضافة لمقطوعات قليلة نُشرت في أماكن متفرقة؛ فرغم غزارة إنتاج ابن صنت وتميّز لغته الشعرية وأسلوبه في كتابة القصيدة، وكذلك صدور عدد كبير من قصائده عام 1416ه في ديوان مطبوع حمل اسم: (ديوان الشاعر نمر بن صنت العتيبي) إلا أن خروج ذلك الديوان ببعض الأخطاء وعدم توزيعه على نطاق واسع أسهما في عدم حصول ابن صنت وأشعاره على ما يستحقانه من التقدير والشيوع بين الناس، وقد تضمن هذا الديوان - الذي بذل ابن الشاعر الأستاذ عبدالله بن نمر جهداً كبيراً في جمعه وترتيبه، وكتب مقدمته الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله - روائع شعرية جديرة بالعرض والإشادة. فبعيداً عن بحر الغزل الذي طالما استهوى الشاعر يقول في موضوع تكسب بعض الشعراء بقصائدهم: الشاعر اللي راس ماله لسانه نفسه يحده للشحاذه ضعفها دايم تومّي به ليالي زمانه يتعب على الكلمه يدوّر خلفها يعطيه زيد وعمر يدقم سنانه ويدلا عليه بكلمةٍ ما عرفها يقطعك يا رجلٍ تحب الإهانه من لا يعز النفس يهدم شرفها ويخاطب الشاعر في قصيدة (مكحلات المدامع) الأمير محمد الأحمد السديري شاكياً من لوعة العشق: من ذاق ود مكحلات المدامع عليه من شرابة الخمر تقليد بين الرجا والياس خايف وطامع وأرجي ليا مني تذكرت أبو زيد ياللي عطيت الخيل شهب المصامع ليا راح مرسولك عرفنا المراديد فكّاكة المشكل بضرب اللوامع واحبالكم نرجي بهن المواريد أرجي لعلك للمواليف جامع عقب البطا والبعد ومطارد الكيد أمّا في غرض الغزل وهو الغرض الأبرز في تجربة الشاعر فتقابلنا عشرات القصائد والمقطوعات التي يحار المرء في الاختيار بينها لعذوبة لغتها وحرص الشاعر على التنويع في بحورها وفي قوافيها وهو تنوع قلما نجده لدى غيره من الشعراء، يقول في قصيدة (علموها): ليت رجلي على بيت الغضي ما تمشت لين شافت عيون اللي على بالها عين شيهانةٍ جاها المساء ما تعشت وراغ شيءٍ مع الصفرة تغايالها علموها تراها للمعاليق حشت وأكبر الجرح لا مريت مدهالها ويقول أيضاً في قصيدة (يا أهل الونيت): يا أهل الونيت اللي يخم المزفّت راعيه عن الدرب السماجه محشّم وقّفت مع دربه وقمت آتلفّت شفقٍ على راع الخديد الموشّم وقفت لين الشمس بالرجم هفّت عليه بيبان الضماير تهشّم ويقول في بعض أبيات قصيدة (فرقا الضحى) وهي واحدة من أطول قصائد الديوان مُعبراً عن ألم ومرارة الفراق: يا عيني اللي كل ما هوّد الليل كني عن النوم اللذيذ متجافي وأكثر عنا قلبي ليا شافوا سهيل وشدت مظاهير الهوامل مقافي وأبعد حبيبي ما تجيه المراسيل بيني وبينه يصبح الجو صافي يا صاحبي ما أنساك لو قيل ما قيل ما صابني من واهج الحب كافي واليوم ما حصلت كود الغرابيل أظهرت جرح القلب بيّن وخافي والله ما يبري القلوب المغاليل إلا العشير اللي ليا قال يافي ومن قصائد الديوان الجميلة أيضاً قصيدة (لا شفت برقٍ) ويقول الشاعر فيها: لا شفت برقٍ ودونه غت عساه يمطر على عِدك يا اللي سنينك ثمان وست نور القمر فيه من خدك خل التغلي تراني مت قطاع والخوف ما ردك ما نيب ناسيك لو أبعدت مير البلا البعد عن جدك بقي في ختام هذا العرض السريع لبعض روائع الشاعر الكبير نمر بن صنت أن أشكر الأستاذ نمر بن خالد العتيبي - حفيد الشاعر - الذي تكرّم مشكوراً بتوفير نسخة من هذا الديوان الذي طالما بحثت عنه وكان حصولي عليه مصدر سعادة ومتعة بالنسبة إلي، وأجزم أن المطلع على هذا الديوان سيجد فيه كماً وافراً من الإبداع الشعري الذي ميّز تجربة نمر بن صنت. السديري نمر بن صنت