الإعلام (مصدر الفعل أعلم)، وعملية نقل المعلومات والأفكار إلى الجماهير؛ بقصد التأثير على مواقفهم وتوجهاتهم وميولهم في الوقت نفسه.. هذا المفهوم الذي يردده الدارسون، والمهنيون لم يتغيّر على مدى عقود، ولن يتغيّر؛ لأن جوهره معبّر عن ظاهره، وحاضره ومستقبله، ولكن يبقى السؤال دائماً عن الفكر الذي يسبق الممارسة، ومدى توافرالوسائل الحديثة تقنياً، والمستحدثة مهنياً، وقدرتهما على الصناعة والتحضير اليومي للمتلقي؛ في مهنة قائمة على المنافسة..إن بين العاملين فيها، أو بين أقسامها، أو وسائلها، أو حتى الأطر العابرة للحدود، حيث يتعرّض الجمهور لمصادر ووسائل متعددة، وهو ما يجعله نشطاً، فاعلاً، قادراً على فهم عملية الانتقاء والإبراز للمضامين.. أمام هذه التحديات والمتغيرات، وربما أكثر من ذلك التحولات التي جعلت من المواطن صحفياً ينقل الخبر نصاً وصورة، وحتى مقطعاً صوتياً أو مرئياً في مواقع التواصل الاجتماعي؛ لم تعد الحاجة قائمة لأدبيات الإعلام الرسمي، وتحديداً سمات التحفظ، والرقابة، وتأخر المبادرات في صناعة الأحداث وبناء المواقف، إلى جانب إخفاء المعلومة، أو حتى تجاهلها، وربما الاستئذان في نشرها، أو حتى تمريرها بطريقة «جس النبض».. اليوم نحن أمام تحول وليس تحدٍ يمكن أن نتعايش مع ظروفه مؤقتاً، أو التنازل لصالحه عن سياساتنا، وهذا التحول -الذي فُرض علينا بفعل الزمن وطبيعة الحياة ووعي المتلقي-؛ يفترض أن نساير متغيراته، ونحافظ على ثوابتنا، بمعنى نلتزم بقيم المهنة الإعلامية (الموضوعية، الدقة، المصداقية) ونطور من أدوات الفكر، وأساليب التفكير، ونخرج إلى الفضاء أكثر وعياً بواقع لم يعد يقبل إلاّ بنقل الحقيقة، وحرية التعبير المسؤول؛ فالقنوات الرسمية مثلاً لا تزال تتمسك بالثوب التقليدي الذي يُطلب منها أن ترتديه؛ لتخرج على المتلقي وقد ملّ من تعاطيها!. د.بدر كريم المهمة الكبيرة اليوم أن نبدأ في تطوير سياستنا الإعلامية (مكونة من 30 مادة، وصدرت عام 1402ه)، ونتمسك بما فيها من إعلاء شرف الكلمة وصيانتها من العبث مهنياً وأخلاقياً، والتعبير الصادق عن وحدة الدين والوطن؛ بعيداً عن إثارة الفتن، ونطور ما فيها من مواد تعيد لنا ثقة المتلقي، وتترك له مساحة من النقد الموضوعي، وتقطع الطريق على وسائل أخرى حاضرة بيننا، وربما عابرة لنا تشوه الحقائق، وتنقل الأكاذيب!!. نحتاج إلى تطوير مواد «السياسة الإعلامية» لمواكبة المنجزات والانفتاح على الآخر مع الحفاظ على ثوابت الكلمة فشل سياسة الكم! ويرى "د.بدر كريم" -إعلامي- أن الكثير من الدراسات الإعلامية في بعض المجتمعات ذات الإعلام الرسمي؛ أثبتت أن مصداقيته تتراجع أمام الجمهور المتلقي له، وأن الإعلام الخاص تفوق عليه بمراحل كثيرة، والأسباب معروفة، منها: التحرر من الروتين الحكومي، الحرية التي يتمتع بها الإعلام الخاص قياساً على حرية الإعلام الرسمي، إلى جانب الحوافز التي تُقدم للإعلاميين في الإعلام الخاص، كذلك المرونة، والتعامل بحرفية ومهنية، والبعد عن التعصب الوظيفي، والمناطقي، والقبلي، ومعالجة الخلافات الوظيفية بتجرد تام، مشيراً إلى أن كل هذه العوامل تجعل الغالبية العظمى من المتلقين، تفضل الإعلام الخاص على الحكومي الرسمي. وقال:"الإعلام الرسمي يعاني من مشكلات جمة، تعوقه عن موازاة الإعلام الخاص، والسبب يعود إلى ارتباطه بالحكومة ومؤسساتها البيروقراطية، وتزايد حدة التضارب في الصلاحيات الإعلامية، وقلّة المنافسة بين القنوات الرسمية من عملية الإبداع في المضمون، والتباهي بالكم"، مستشهداً بواقع القنوات الحالية؛ فمثلاً: كم قناة للرياضة؟.. ست قنوات.. وقناة القرآن الكريم اقتصرت على بث القرآن الكريم مسجلاً، أمّا علوم القرآن، وقَصص القرآن، وعظات القرآن غير موجودة، والأمر نفسه ينطبق على قناة السنة النبوية، أحاديث نبوية مكررة على مدى أربع وعشرين ساعة، أمّا الأحاديث الصحيحة، والأحاديث الموضوعة، والأحاديث الضعيفة، فتكاد لا تجدها كي يعرف المتلقي أيها أصح، وأيها أجدر بالفهم، والاستيعاب. سناء مؤمنة وأضاف أن سياسة الكم إعلامياً فشلت منذ أمد بعيد، وحلّت محلها سياسة الكيف؛ فالكم تغلب عليه العملية الشكلية، أما الكيف فلغة حضارية في طرحه للقضايا، وتناوله لها بالتقصي والتحليل، من خلال إطارها الشمولي، وهذا المفهوم يتناقض مع سياسة الكم، وهو توجه مغلوط، ويكاد لا ينسجم مع المتلقي، ومشكلاته الاجتماعية والثقافية العالقة، وتحليلها تحليلاً موضوعياً، وينطلق من تمحيص المشكلة ومرتكزاتها الأساسية، بناءً على محصلات التجارب المعاشة لبعض المجتمعات التي اتخذت من الإعلام مدرسة، ومعهداً، وكلية، وجامعة تبعد الناس عن المسارات الخاطئة، وترشدهم إلى كون التنمية، عملية تنموية فعلية بمنظورها الشامل.؛ فهل تنجح مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء السعودية، في تصحيح الصورة عن الإعلام الرسمي السعودي؟، سؤال لا أملك الإجابة عنه الآن. الجواب غداً و"إن غداً لناظره قريب"!. المشكلة قديمة وأوضح "د.عبدالرزاق العصماني" -أستاذ الإعلام الدولي سابقاً بجامعة الملك عبدالعزيز- أن إشكالية الإعلام الرسمي في أي مجتمع إشكالية قديمة؛ لأن الحكومات مازالت تقنن حريته، وإذا لاحظنا أن هناك شئاً من الحرية في الإعلام المحلي؛ فإن ذلك يعود إلى تقدم التكنولوجيا؛ فهي نتيجة حتمية لما حدث في اتصالات الفضاء، وظهور وسائل حديثة يستخدمها الشباب في اليويتوب والنت، وجميعها حفزت الإعلام الرسمي أن يشارك ويظهر نفسه على أنه يأخذ بوجهة الرأي والرأي الآخر، إلاّ أن الحقيقة أن التقنية الحديثة لها تأثيرها في ذلك، مشيراً إلى أنه عاجلاً أم آجالاً لابد أن تتحرر تلك القنوات الرسمية، وإلاّ ستبقى تدور في ذات الدائرة، كما هو الحال في الوقت الحالي، فلن تستطيع أن تساهم مساهمة فعالة في واقع الإعلام فالمشكلة قديمة جدا ومازالت قائمة!. وقال:"هناك بعض الدول التي استطاع الإعلام الرسمي فيها أن يجمع بين الدفتين؛ أن يكون إعلاماً رسمياً ويواكب ما يطلبه ويحتاجه الناس؛ فذلك يتطلب أن يكون هناك الكثير من المرونة في الإعلام، خاصة في الأنظمة والسياسيات التي تنعكس على وسائل الإعلام؛ فإذا لم تتحقق تلك المرونة فلن يستمر الجمهور متلقياً للإعلام الرسمي كما هو الحاصل في الوقت الحالي، حيث هناك عدم قبول لها غالباً؛ لأن هناك تراكمات قديمة، كما أن الخيارات واسعة أمامهم"، مشيراً إلى أن الكثير من المحاولات التي حاول المختصون في الإعلام أن يطرحوها على الإعلام الرسمي أن يكون هناك توجه وفكر جديد، وأن يتم التركيز على التوجه إلى العالم بدل الإقليمية؛ فالإعلام المحلي انتهى، والشباب الذين أصبحوا ينتجون الكثير من المواد الإعلامية أصبحوا يحاولونا أن يقتحموا المحلية إلى العالمية؛ فيجب استغلال الفرص؛ فالإعلام لدينا قادر على أن يكون أفضل إعلام، فمالذي يجعل بعض الإعلام الرسمي في بعض الدول أكثر تطوراً وتحركاً وعلى قدرٍ كبير من الحرية؟. وأضاف:"لابد أن يكون هناك تطوير على جوانب عدة في الإعلام الرسمي؛ فلابد من الالتفات إلى إعلام الأقاليم والأرياف؛ فالمملكة ليس بها وسائل إعلام إقليمية عالمية؛ فمثلاً كل منطقة لديها تراث محلي ترغب نقله إلى العالمي؛ أما أن يكون الإعلام محلياً فتلك مشكلة؛ فالإعلام الرسمي من الممكن أن يكون أفضل ليس هناك ما يمنع، ولكن إذا مابقي متمسكاً بذات الرؤية التقليدية فلن يتطور. الهيئة الجديدة وأكدت "سناء مؤمنة" - مستشارة برامج في تلفزيون جدة - على أن التطوير فعلاً حصل بالقنوات الرسمية، ولكنه لم يصل إلى الطموحات المطلوبة؛ فلكي نصل إلى الجيل الجديد لابد من استقطاب إعلاميين شباب قادرين على تحريك التطوير في الاتجاه الصحيح؛ فالخبرات الموجودة جيدة، ولكن ينقص الإعلام الرسمي زيادة الإمكانات الفنية والبشرية وغيرها من المحفزات التي تؤهل القائمين على هذه القنوات، موضحة أن الشباب الإعلامي يحتاج إلى زيادة الثقة بقدراته حتى يستطيع أن يصل بشكل صحيح؛ فالمشكلة أن القنوات الخاصة تميزت بالإعلاميين الذين يتصفون بالكثير من الإمكانات والمهارات؛ في حين لم يُلحظ ذلك على القنوات الرسمية؛ فالكوادر الفنية والإعلامية يوجد بها نقص؛ بسبب قلة الإمكانات المادية والرواتب البسيطة المقدمة للإعلامي. وقالت:"القرار الجديد بتحويل التلفزيون والإذاعة إلى هيئة مستقلة سيحدث الكثير من الفارق على القنوات الرسمية؛ فسيكون هناك كوادر متميزة، كما سيتيح مجالاً للتخصص والإمكانات الإعلامية، وذلك أن تكون متواجدة بشكل أفضل من السابق". الصحفي المواطن نجح في نقل المعلومة بسرعة وموثقة بالصور «أرشيف الرياض» تعددية المصادر والقنوات أمام المتلقي تتطلب قدرة على المنافسة وتلبية احتياجاته