المحبون من أكثر الناس أمانياً وأحلام يقظة، بسبب تشوقهم للحبيب وتولههم به وحرمانهم منه. وأحلام اليقظة تهدهد العاشق، وتحنو عليه، فهي له ومعه وطوع يديه يسافر بها حيث يشاء ويصنع منها ما يريد من قصص ومواقف ولقاءات وخيالات تنسيه مرارة الواقع وبعد المعشوق، أحلام اليقظة أطوع من اليد وأحن من الأم وأرق من الحرير وأكثر خيالاً من ليالي ألف ليلة، هي سلوة المحب في وحدته، وقصته مع أمانيه وأحلامه، وتصوره لحبيبه كما يريد. ويندر ان يوجد عاشق أو عاشقة، ممن لم ينل الوصال، لم يسرح مع أحلام اليقظة، ويتمنى الأماني، وينسج من قصص الخيال ما يداعب وجدانه ويرضي طلباته ويحقق مآربه ويقرب له البعيد ويهون عليه الصعب ويسهل أمامه العسير، على الأقل كي يعيش في عالمه الداخلي ما لم يعشه في عالمه الواقعي. والشعراء العاشقون يكثرون من التمني، والمحبوب هو محور كل هذه الأماني، وبدؤها ومنتهاها، وفيهم من أمانيه يسيرة قانعة ترضى من الحبيب بالقليل وترى ان قليله كثير.. يقول جميل بثينة: واني لأرضى من بثينة بالذي لو أبصره الواشي لقرت بلابله بلا وبألا استطيع وبالمنى وبالأمل المرجو قد خاب آمله وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي أواخره لا نلتقي وأوائله وهم يعلمون ان الأماني تخفف الهموم: اعلل بالمنى قلبي لعلي اروح بالأماني الهم عني واعلم ان وصلك لا يرجى ولكن لا أقل من التمني وتمتزج الأماني بأحلام اليقظة التي تفصل الأماني تفصيلاً وتضعها في قصص ومسلسلات حتى كأن الحبيب يعيش حبيبه، يقول بشار بن برد: أنت المنى وحديث النفس خالية ومنتهى حاجتي القصوى وأوطاري ويرى الحسين بن الضحاك ان الأماني المفصلة في أحلام اليقظة كأنما تجعل حبيبه جزءاً منه ممتزجاً به ويعيش في داخله: ان من لا أرى وليس يراني نصب عيني ممثلاً بالأماني نحن شخصان ان نظرت ورو حان إذا ما اختبرت يمتزجان وللزهاوي: تمنيت يا سلمى، وهل تنفع المنى لو ان حياتي في حياتك تمزج ويقول ربيعة الرقي.. ليتني كنت حماماً لك مقصوص الجناح فهو يريد ملازمتها.. أما أبو صخر الهذلي فله أمنية عجيبة وهي ان يكون هو ومحبوبته وحدهما بعيدين عن العالم وفي لجة بحر يمخر بهما الفلك: تمنيت من حبي علية أننا على رمث في البحر ليس لنا وفر على دائم لا يعبر الفلك موجه ومن دوننا الأهوال واللجج الخضر فنقضي هم النفس في غير رقبة ويغرق من نخشى نميمته البحر فقد مل من الرقباء والنمامين، يريد عزلة تامة مع الحبيب يقضي فيها هوى نفسه (هم النفس).. وسمع عمر بن أبي ربيعة كثير عزة يقول: الا ليتنا يا عز كنا لذي غنى بعيرين نرعى في الخلاء ونعزب كلانا به عر فمن يرنا يقل - على حسنها - جرباء تعدي وأجرب! إذا ما وردنا منهلاً صاح أهله علينا فما ننفك نرمى ونضرب وددت وبيت الله أنك بكرة هجان واني مصعب ثم نهرب نكون بعيري ذي غنى فيضيعنا فلا هو يرعانا ولا نحن نطلب فهز عمر رأسه استغراباً واستنكاراً ونظر لكثير وقال: تمنيت لها ولنفسك الرق والجرب والرمي والطرد والمسخ.. فأي مكروه لم تتمن لها ولنفسك؟! لقد أصابها منك قول القائل: معاداة عاقل خير من مودة أحمق! وقد مات شاعرنا الشعبي دخيل الله بن مرضي الروقي (الدجيما) من شدة الحب و(لكل أجل كتاب) وله السامرية المشهورة التي غناها محمد عبده، وفيها يتمنى الشاعر أنه لم يتولع بالحب، ثم يتمنى أنه حين تولع نال بعض مناه، والقصيدة طويلة ومنها: يا جر قلبي جر لدن الغصون وغصون سدرٍ جرها السيل جرا على الذي مشيه تخط بهون والعصر من بين الفريقين مرا لا والله اللي بالهوى هوجروني هجر به الحيلات عيت تسرا ياليتهم بالحب ما ولعوني كان ابعدوا عني بخيرا وشرا وياليتهم يوم انهم ولعوني خلوني اقضي حاجتي وادترا وياليتهم عن حاجتي سايلوني يوم اني اقعد عندهم واتحرا وياليتهم من زادهم اطعموني انا على زاد اليتيم اتجرا لا قربوا مني ولا بعدوني ولا ميس منهم ولاني مورا وقفت عنده شايحات عيوني كني غرير باللهاوي مضرا» ولفهد بورسلي: سلموا لي على اللي سم حالي فراقه حسبي الله على اللي حال بيني وبينه قايد الريم تأخذني عليه الشفاقة ليتني طول عمري دبلة في يمينه لي ذكرت الليالي اللي مضت والصداقة عود القلب يرجف مثل رجف المكينة يتمنى ان يكون خاتماً في يدها!