وحنين لك يكوي اضلعي والثواني جمرات في دمي «إبراهيم ناجي» اثر المولع دمعته تجرح القاع وإذا ذكر مافات هلت دموعه «خالد الفيصل» الحنين مأخوذ في الأصل من الصوت الذي تصدره الناقة إذا مات فصيلها، إذ يكون صوتها مزيجاً من الألم والتشوق والتحرق.. ثم عم اللفظ ليشمل (تحرق) الإنسان شوقاً للحبيب، ووجداً عليه، وألماً على فراقه، والوجد لفظ شبه مرادف للحنين، وهو لفظ مختصر معبر، معناه (أريد أن أجد هذا الحبيب بكل جوارحي.. ثم حرف لفظ الوجد في كثير من موروثنا الشعبي إلى (الوجود) اشتقاقاً، فالشعراء الشعبيون يقولون (يا وجودي) أي يا وجدي وحنيني.. قال دبيان بن عساف: «يا وجودي على هرجه خفي السراير وجد خطو العجوز اللي توفي ولدها كل ما حل له طاري تهل العباير كل ما قيل يا المرحوم تصفق بيدها شبْه خلّي تقود الصيد لا صار ذاير عين شيهانة خرشا الليالي هددها دانة ما احزوها مالكين التجاير عايزة جنس عدم وصفها في بلدها» ومن مرادفات الحنين (الولع) في بعض المواضع كقول الأمير خالد الفيصل: «يا عل قلب ما شكى الحب والتاع تنهار من فوقه محاني ضلوعه ياما نهيت القلب لا شك ما طاع ما طاع يدله والليالي تلوعه إثر المولع دمعته تجرح القاع وإلى ذكرمافات هلت دموعه يفز قلبي تالي الليل مرتاع اخاف تبعد عن ربوعي ربوعه الموت كان العرف عقب البطا ضاع والمنتحي يا سعود صعب رجوعه في غير شوف العين مانيب طماع وحقه علي امشي بدرب المطوعه ابو عيون رمشها سود ووساع في ذبحها العاشق فتون وبتوعه» وللتعبير عن الحنين صيغ كثيرة كالبكاء والتمني، يقول ابن لعبون: «ابات الليل في رجوا صباحه وادق من الندم بالعود سني على فقدي لغزلان الملاحه طويلات المعانق واسفهني حبيبي كلما هبت ارياحه سفى للريح نوح ضاع مني» ومن الصيغ الشعبية في التعبير عن الحنين كل ما يدل على ألم القلب مثل (يا تل قلبي..) وهو تعبير شائع عند قدماء شعرائنا وخاصة ابن سبيل: «يا تل قلبي تل ركب لشمشول ربع مشاكيل على كنس حيل شافوا وراهم زول واقفوا كما الجول جول النعام اللي تقافى مضاليل عليك يا اللي في تمدريه مقبول زينه على زين العذارى تنافيل» فكأنما قلبه - لشدة حنينه - جذب بقوة كما يجذب الأقوياء الكثيرون قليل الابل مسرعين بها.. وقوله: «الله احد ياتل قلبي من أقصاه تل القطيع اللي شعوه الطماميع أو تل زملوق الشفا يوم لواه لاهوب صيف وحاميات الذعاذيع على عشير عوقتني هواياه بسهوم نجله ضيع القلب تضييع» فقلبه قد جذب بعنف كما يجذب اللصوص القطيع مسرعين أو تجذب العاصفة غصن نبات رقيق.. ومثله (يا جر قلبي) ومنه قصيدة (الدجيما) الذي قتله العشق - رحمه الله - وهي مشهورة ومنها: «يا جر قلبي جر لدن الغصون اغصون سدر جرها السيل جرا على الذي مشيه تخطٍ بهون العصر من بين الفريقين مرا يا ليتهم بالحب ما ولعوني كان ابعدوا عني بخيرا وشرا وقفت عنده شايحات عيوني كني غرير باللهاوي مضرا لاقربوا مني ولا بعدوني ولا ميّسٍ منهم ولاني مَوّرا» والحنين يكون في الرثاء وبكاء الشباب وتذكر الأحباب والأوطان والغرض الأخير - النسيب - هو موضوعنا اليوم.. ومن الشعر الفصيح: «احن لهم ودونهم فلاة كأن فسيحها صدر الحليم» وهو تشبيه بليغ شبه فيه المحسوس بالمعنوي.. وقول الأعرابي: «احِنّ إلى أرض الحجاز وحاجتي خيام بنجد دونها الطرف يقصر وما نظري من نحو نجدٍ بنافعي أجل لا، ولكني على ذلك انظر» وقد يحن الحبيب إلى حبيبه وهو معه لشدة الوجد: «ومن عجب أني أحن إليهم واسأل عنهم من لقيت وهم معي وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتاقهم قلبي وهم بين اضلعي» ومن روائع الشعر الحديث (الاطلال) لناجي، خاصة حين سكرت بها أم كلثوم ولحنها السنباطي، لقد فازت بالمركز العاشر كأفضل مئة أغنية عالمية خلال القرن العشرين كله حسب استفتاء قامت به منظمة اليونسكو للثقافة والفنون: «يا حبيباً زرت يوماً أيكه طائر الشوق أُغنِّي ألمي لك ابطاء المدل المنعم وتجني القادر المحتكم وحنيني لك يكوي اضلعي والثواني جمرات في دمي» «لست انساك وقد اغريتني بفم عذب المناداة رقيق ويد تمتد نحوي كيدٍ من خلال الموج مدت لغريق وبريق يظمأ الساري له اين في عينيك ذياك البريق؟» «اعطني حريتي اطلق يديا انني أعطيت ما استبقيت شيتا آه من قيدك أدمى معصمي لم ابقه وما ابقى عليا ما احتفاظي بعهود لم تصنها والام الاسر والدنيا لديا» وقد تم اختيار هذه الرائعة من قصيدتين لناجي هما (العودة) و(الأطلال).