كثيرة هي تلك الأحاديث التي لا تُمل، عاش بعضها وسمع ممن عايش أخرى. غاب رحمه الله ولكنه لم يغب أبدا. أستعين بالذاكرة لاسترجاع بعض أحاديثه الجميلة. الوالد تاجر بطبعه يتاجر في كل مباح، وكان أن اشترى أغناما ثم عزم على بيعها في الرياض. وقتها لم تكن هناك طرق معبدة، بل كانت السيارات نادرة جدا. إذا لابد من السير على الأقدام من الدوادمي إلى الرياض. جهز زاده وعتاده ثم حث الخطى مع صديقه باتجاه الرياض. وبعد أيام من السير الجاد أقبلا على مدينة مرات، وكان الوقت ليلا والجو باردا ولم يكن هناك حطب، ولكنه استطاع أن يجمع من الحطب ما يكفي لتجهيز قهوته. وبينما هما كذلك أقبل رجل في عتمة الليل يحمل حملا لم يتبيناه بسبب حُلكة الظلام. وما أن أصبح في متناول النظر حتى تبين أنه يحمل كوما من الحطب. رحب به الوالد وشاطرهما القهوة ثم همّ بالرحيل. فسأله أبي عن سبب جلبه للحطب. فقال: قد كنت تعهدت بجلب حطب لصديق وكان موعدنا قريبا من مقامك ولكنه لم يأتِ، فرأيت نارك فقلت لعله هو، وأنت لاشك أولى بالحطب. شكره أبي ثم ودعه ونام هو وصاحبه. يقول: وعند الصباح رأينا كلبا يسير بمحاذاتنا ونحن متجهان إلى الرياض لم يفارقنا ليلا ولا نهارا، ولم يكن معنا ما نقدم له وبرغم ذلك استمر في متابعتنا. بلغنا القدية (مدخل الرياض الغربي) وكان الوقت قريب المغرب فقررنا المبيت ثم معاودة السير قبيل الفجر. وبعد الغروب بفترة بسيطة انطلق عواء الذئاب من كل ناحية من جبل طويق المجاور.. وكانت الذئاب تقترب شيئا فشيئا من الأغنام. فإذا بالكلب الغريب يذود عن الغنم ويمنع الذئاب من الاقتراب من الغنم. استطاع الكلب أن يجبر الذئاب على التراجع إلى طويق. خشي أبي أن تعاود الذئاب المحاولة مرة أخرى وهما نائمان. فقال له صاحبه: سننظر أين يبيت الكلب! إن بات وجعل الغنم بينه وبين مصدر الرياح فلا تشغل لك بالا، فلن تباغته الذئاب لأنه سيشم رائحتها إن جاءت من ناحية الريح. أما إن جاءت الذئاب من ناحيته فسيراها وفي الحالتين سيذود عن الغنم. وبعد فترة تحرك الكلب حول الأغنام حتى أصبحت الأغنام بينه وبين مصدر (مهب) الرياح، فقال صديق أبي: «كبر الوسادة يابو عبدالرحمن». انقضى شطر من الليل والكلب ينافح الذئاب إذا اقتربت ثم يعود لمكانه من جديد. نام أبي وصاحبه فلما استيقظا وجدا الغنم لم يمسسها سوء، والكلب حارس أمين.