شابت ألحانا ما لحقنا هوانا عزي لمن شابت ألحاهم على ماش صرنا (نكدَ) وكدَنا ما كفانا عيشة وزى يا لله على الكره نعتاش والله يا لولى عجزنا اللي ورانا معن نطوش ب(مصر) من عرض من طاش ووالله يا لولى الفقر يزوي حشانا لزمي كما يزمي على البير غطاش قافلة من الكدادة تنوء بأحمالها من شجر العرفج يسوقها أحد الكدادة باتجاه الكويت قبل مئة عام كداد مسن يجمع حصاد التمر مقابل «مصروف البطن» قصيدة رائعة ومعبرة للشاعر مبارك المرجان أحد شعراء الأسياح -رحمه الله- وهو يجسد من خلالها قصة من قصص الكفاح المر مع (الكدادة) وهي واحدة من اشرف المهن وأكثرها قساوة في مرحلة تعد من أصعب المراحل، وهو أيضا وان كان (بواردي) برز في وقعت جراب سنة 1333ه كواحد من المحاربين الأفذاذ، الا انه لم يمتنع أن يعمل كدادا و(راصوداً) للعصافير في روضة عين أبن فهيد، ويحمل (مقلاعاً) يقذف به الحجر و(صفيحة) يضرب عليها، حت يذود بهما الطيور والحيوانات السائبة من طلوع الشمس حتى غروبها، وفي الليل يتحول إلى سقايتها وتوزيع حصص ماء العيون مقابل بضعة (أصواع) من غلة القمح الذي يحرسه، حيث يقبضها في موسم الحصاد آخر العام حتى يوفر لاسرته لقمة عيش كريمة. من هم الكدادة؟ (الكدادة).. مصطلح عام يطلق على الطبقة الكادحة التي تمارس عدة انشطة مهنية، منها: أعمال البناء والزراعة والرعي والاحتطاب، وغيرها، حيث يعتمد اغلبها على القوة الجسمانية والصبر والمثابرة، ويكون أجرها هو توفير "مصروف البطن من المأكل والمشرب، وكذلك الكسوة، إلى جانب مهاجع النوم، وما يجود به "صاحب الحلال" من معونة خاصة. واذا ما تجاوزنا مسمى (الكدادة) إلى المعنى الحقيقي لها ومدلولها فإن سيدنا موسى عليه السلام قد عمل اجيراً في رعي الماشية مقابل زواجه من احدى الفتاتين اللتين سقى ماشيتهن لما ورد ماء مدين ووجدهن لا يسقين حتى يصدر الرعاة، واشترط والدهن تزويجه احداهن مقابل ان يعمل عنده اجيرا لمدة سبع(حجج) سنوات وان زاد إلى عشرا فهو احسان منه. دعم خادم الحرمين لشراء التمور يحفز المزارعين وفي الاثر قصة أحد نبلاء العرب الذي كان فارا من قومه بصحبة كلب إلى الشام فاختبأ في بستان يرى فيه من مكانه رجلا يعمل في البستان بكل همه لما أحضر له غداءه اقترب منه الكلب فرفع يده وقدمه للكلب، وفي اليوم الثاني تكرر نفس المشهد عندما خرج اليه الرجل من مخبأه وسال صاحب البستان عن سبب تقديم غداءه للكلب قال بلادنا ليست بلاد كلاب وعرفت ان هذا الكلب غريب على بلادنا، فسال مرة أخرى هل أنت صاحب البستان قال بل أجير اعمل به من سبع سنين، وسأله مرة ثالثة وكم تقبض من الأجرقال:هذه الوجبة التي قدمتها للكلب!. صور الكدادة وهناك أسماء اخرى تفرعت من هذا المسمى باسماء من ابرزها (السقمة) أو السقامة على مستوى الفلاحة، و(الرعاة) على مستوى الرعي، وتختلف الاخيرة عن المفهوم الدارج حاليا عن الرعاة أو الرعيان، فالذي نعنيه بالسقمة أو الرعاة هو شخص أو اسرة كاملة تعمل غالباً عند الاسر الميسورة مقابل نسبة من الانتاج أو حتى على مصروف البطن، بمعنى ان أكلفك بعمل معين مقابل ان أوفر لك قوتك اليومي فقط، وهي صور اختفت لدينا تماما وان كانت لا تزال باقية عند بعض الدول الفقيرة اما في صورة بواب العمارة واسرته الذين يسكنون "الدرج" ويعيشون على اكراميات السكان والزوار وبقايا الطعام التي تزيد عن حاجتهم، أو تلك الاسرة التي تعمل بكامل طاقمها في المزارع والحقول والتي كثيراً ما تصورها لنا الافلام السينمائية على شكل اسرة بسيطة تتناثرة في أحد الحقول مع اطفالها يعملون بكل همه في حرث الارض وتقليبها، وتظهر بينهم فتاة حسناء تكون في الغالب هي محور الحدث مع شخصية البطل (مالك المزرعة) ذو العمامة البيضاء والشخصية المهيبة، حيث يتكئ على عكازه يرمق الفتاة بديعة الجمال ويتجاذبه حلم الزواج منها وقد ينتهي الأمر إلى طرد الأسرة وإخراجها من الحقل. الصورة الأخرى التي اختفت تماما عند مجتمع البادية هو الجانب المتعلق بالرعي مع توسع مجالات الرزق وجلب عمالة تؤدي الغرض والتي كان (الصبي) أو الأسرة المعدمة تنظم إلى أسرة أخرى تمتلك المواشي تلازمها وتعمل معها جنبا إلى جانب، وكأنهم أصحاب الملك في الرعي والحلب وقص الصوف واستخراج مشتقات الحليب وإرضاع صغار المواشي، وتحصل بالمقابل على ما يكفي قوتها اليومي من الناتج، وقد تعطى قطيعا محددا على طريقة (التبضع) الذي تحصل بموجبه على نسبة من نمو هذه المواشي، بالإضافة إلى المنتجات الأخرى. حكاية المكفوت! وعرف عند بعض المجتمعات وفق ما ذكر لنا ابو عياد مصطلح آخر اسمه (المكفوت) وهو بيع أو أجر باطل شرعا ويعني أن أبيعك ما في بطن الناقة أو البقرة قبل أن تلد، كذلك مكفوت المكفوت وهو لقاح أو حمل السنة القادمة أو التي تليها كان يطبق مع بعض كدادة الرعي ويتفق مع صاحب الابل، مثلا ان يكون اجيرا له مقابل ولد الناقة الفلانية عند ما يلقحها الجمل في العام القادم.. رحلة الحمار المدهون! وذكر لي أحد متقاعدي شركة ارامكو وهو مهندس بترول قصة خمسة آخرين من اشقائه يعمل اربعة منهم في هندسة البترول بنفس الشركة وقصة دخولهم لهذه الشركة وكفاح والدهم الذي كان قد عمل كداداً يخرج من الكويت مع قافلة من الجمال إلى الحماطيات، ويبيتون ثلاث ليال يقطعون شجر العرفج ويعودون به إلى الكويت ليباع علفا ووقود، وعند ما وفر قيمة حمار رحل إلى الظهران مع بداية عمل شركات التنقيب هناك وعمل سبع سنوات أغلبها عند متعهد طبخ في (كمب) الشركة يساعده في احضار بعض الطلبات على ظهر الحمار مقابل اجر بسيط وأخذ الفائض من الطعام، ولم يمض عامين الا وقد انظم الينا خمس اسر من اقاربنا نزلوا إلى جوارنا كان والدي يخرج اليهم كل ليلة يسوق حماره وعلى ظهره (زبيلين) مليئين ببقايا الطعام وهي تتقاطر دهنا على جوانب الحمار يوزع بينهم الطعام حتى اطلقوا على الحمار اسم (المدهون) بعد أن كسى جسمه الدهن المختلط بالتراب، وفي هذه الفترة اتقن اللغة الانجليزية نطقا، وتثقف بالاحتكاك قبل ان يعين عاملا بالورشة وعند ما كبرنا ادخلنا المدارس وانظمينا إلى الشركة واكملنا تعليمنا اثناء العمل إلى ان وصلنا إلى ماوصلنا إليه.. رعي الأغنام من مهن الكدادة المشهورة في الماضي مواقف لا تنسى فوزان الجديعي الذي كان قد عمل في مزرعة لوجهاء المجتمع، وكان يعمل في آخر محطاته مقابل نسبة من المحصول إلى ان امتلك مزرعة نموذجية في الأسياح، حيث يذكر لنا زيارة للملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- الى بريده أوائل الستينات الهجرية والتي شكلت منعطفا في الحياة الاقتصادية في المنطقة عند ما بعث بعدها يرحمه الله باكثر من مئة ناقة مع أحد رجاله والذي يدعى ابن عواد تم توزيعها على المحتاجين كسواني لاستخراج المياه من الابار مما حركت هذا النشاط بين مؤجر وأجير، وساهمت في تشغيل اسر كثيرة من الكدادة في الحقول المهجورة سابقا، وكان والده قد جاء متأخرا مع توزيع آخر ناقة اقتسمها مع رجل آخر لكل واحد منهما النصف، وذهبوا بها إلى السوق لتباع ويوزع ثمنها، وبعد ان طلبت بمئة وخمسين ريالا تنازل الرجل الثاني عن نصيبة لوالده الذي اخذها وكانت هذه الناقة كما يقول احد اسباب رزقنا، كما يذكر ايضا كمية من مكائن استخراج المياه ماركة (كمبل) قدمت كقروض للمزارعين وما لبث الملك -رحمه الله- ان اعلن إسقاطها عن المواطنين دعماً لهم. وحسب وصف الجديعي فبقدر ما كان بعض (المعازيب) الذين يعمل لديهم الكدادة في غاية من التهذيب والنبل لمسها هو نفسه مع كل من عمل لديهم، إلاّ أن هناك معاناة لبعض الكدادة مع من يعملون لديهم، ووصل بعضهم إلى الظلم والقسوة، ففي قصة اطرافها صاحب مزرعة وأجير من الكدادة، حيث اتى اليه في ليلة شديدة البرودة وقد تجمدت اطرافه من البرد وتوقف عن العمل، وقال له اشتغل.. قال لا استطيع تحريك اصابعي من الصقيع، ثم أجبره أن يتبول عليها حتى تدفأ بسخونة البول وواصل عمله، الا ان الزرع مات من البرد..!!. قرع مهر عروسين! ويتذكرعبد الله الحويل تلك الايام عندما كان يعمل مع والده واشقائه في روضة عين أبن فهيد التي تسقى من بعض العيون الجارية ويقومون بزراعة الارض وسمل العيون وتهذيب جداول الماء والسقيا والحراسة لمدة تصل إلى سبعة اشهر؛ يتم بعدها حصاد المحصول وتكديسه ثم دياسته بالحيوانات بقر أو حمير ثم ذريه وتصفيته، حيث يحصلون منه في النهاية على الربع ويذهب الباقي للمالك كما يتذكر سنين يهاجمهم فيها الجراد أو تداهمهم سحابة (بردية) تبيد كل المزروعات عن بكرة ابيها.. ولم يخف ابو سعود شقاوة واطماع بعض زملائه الكدادة في قصة أحدهم عند ما استلم نصيبه وهي عشر من القرع دفعهما مهرا لعروسين في ليلة واحدة لكل واحدة منهن خمسا ما كانت تعلم احداهن عن الاخرى، ولان الزواج في ليلة واحدة فقد ذهب إلى احداهن اول الليل يحمل القرع وفراشه الوحيد وقبل منتصف الليل اسأذنها معتذرا بقرب موعد حصته من الماء الذي لا يقبل التأجيل وأمرها ان تحضر له حبلا يشد به وسطه استعدادا للعمل وعندما خرجت من الغرفة طوى فراشه بسرعة وركض به إلى منزل العروس الاخرى مبديا اسفه من التأخير بسبب موعد حصته من الماء كما قال!!.