حدثني معلمي -المخضرم الذي أفنى زهرة شبابه وعنفوان كهولته وها هو يدلف إلى مرحلة الشيخوخة في هذه المهنة المقدسة- فقال: تردد في أوساط المعلمين في منطقة عسير اطلاق شعارين- ويمكن تسميتهما نظريتين تجاوزا- لتقنين عمل المعلم وضبط سلوكه مما اشغل المنظرين من اداريين وتربويين في شؤون المعلمين وموزعي الاحتياج؛ النظرية الأولى فيزيائة مع اعتذاري لزملائي الأفاضل تقول: (فلل الوايت لا يرج) والتي يقصد بها المنظِّر إعطاء المعلم الحد الأعلى لنصابه من الحصص مع ما يلحق هذا النصاب من اعمال أُخرى وهي نظرية تستهلك طاقة المعلم حتى لا يفكر في أي حق له ويخرج من المدرسة الى المنزل. وكما هو معلوم إن المعلم والمعلمة يخرجان من المنزل قبل اصحاب المكاتب بساعات، هل تعلم يا صاحب النظرية ان هناك معلمين ومعلمات يخرجون من بيوتهم الساعة الثالثة والرابعة والخامسة فجراً، هل سمعت عن الحوادث التي تنقل اخبارها صحفنا المنصفة التي تنقل واقعنا المؤلم بكل صدق، ان هذه الحوادث تقع في الساعات التي نستمتع فيها بدفء الفراش الوثير او في المكاتب المكيفة التي تطل على الأودية والضباب وجثث المعلمين والمعلمات تتناثر على الإسفلت عبرة لمن يريد ان يكون معلماً في قادم الأيام... النظرية الثانية رياضية:مع اعتذاري لزملائي الأفاضل تقوم على(تجزئة المعلم على الطريقة معلمي المندي– ثلث معلم وربع معلم..الخ).وقد سألت معلمين في مناطق اخرى وكان جوابهم(ما سمعنا بهذا من قبل) هذه الطريقة تخرجهم من مأزق التخصصات ومعلم الصفوف الأولية حيث يجمع الحصص في المدرسة بشكل ربطة واحدة لا ينظر للمواد وعدد حصصها التي لا تتجزأ ثم يقسمها على اربعة وعشرين ويرد على من يطالب بمعلم من التخصصات التي لا تقبل قسمته الحديثة؛ (عندك زيادة ربع معلم أو ثلث معلم) اذا طالبت مرة اخرى سأجعل الربع يكمل في مدرسة أخرى؟!! ونحرمكم من التمتع (بالربع مع الرأس). في مدرستنا عجز في الرياضيات بعد تقاعد المعلم! ومعلم صفوف أولية وآخر في العلوم الذي يقوم الآن أمين المصادر بالتدريس العلوم بعد تكليفه اميناً للمصادر ورأوا تعطيل المصادر ولكنه يقوم بالعملين معاً. إن المسألة - يابني - سوء تخطيط ومحسوبيات ومعرفة ومن الجماعة، وزاد الطين بله التركة الثقيلة التي تركها مدير للآخر، وقد زارنا أحد المسؤولين من المكتب في ابها عرف عنه النزاهة بعد مطالبة أولياء امور الطلبة بفتح شعبة للصف الأول لكثرة العدد وأصبح الصف علبة بشرية لا تطاق. زار المدرسة بعد ثلاثة شهور من المطالبة والمراجعة والوعود، ولم يشعر به أحد سوى وكيل المدرسة والكل يريد التحدث معه بصفتهم اساس العملية التربوية والتعليمية وهم اصحاب الرأي والمعاناة ولكن للاسف كانت الزيارة خاطفة، ونتيجتها مثل وقتها، وكأن الزيارة (أظهر وبان وعليك الأمان) وقد حدث في هذه المدة ان نقل بعض أولياء أمور الطلبة أبناءهم الى المدارس التي تنعم بمزايا أكثر. المعلم يعاني في حقبة نظرية (الصهريج والتكسير)! التي وضُعت أسسها في مكاتب صغار المديرين الذين يظنون انهم يحسنون صنعاً بالتسلط واستغلال المنصب ليكون الدور متعبا ومؤذيا لنفسية ومشاعر المعلم. تحية إعزاز وإجلال لنصف مليون معلم ومعلمة يحملون مشاعل العلم والمعرفة لأبناء هذا الوطن الغالي. لهم التقدير والاحترام ويقف لهم الجميع اجلالاً لأن من علمني حرفا كنت له عبدا.