لنعد ونتحدث عن العقل البشري، وميكانيكية إدراكه لما حوله تقييمه لأفعاله واختياره لقراراته. إذا اتفقنا أن الإنسان الراشد العاقل يملك من التجارب والتراكم المعرفي ما يؤهله لمعرفة الصواب من الخطأ ومعرفة الحدود التي عليه أن يحافظ عليه ومعرفة واجباته والتزامته، فإننا حتما سنتساءل إذن ما الذي يجعل هذا الإنسان، يخطئ أحيانا في التقدير، يرتكب مخالفة أخلاقية، يعارض مبادئه والتزاماته، ينادي بالسلام تحت أجنحة طائرات القصف ويبيد شعوباً من أجل تحقيق مفهوم الحرية، يسن قوانين تحمي الغني تحت مسمى العدالة الاجتماعية ويخلق العداوات باسم محاربة العنصرية؟ الإجابة على هذا السؤال قد يلخصها البعض في أننا مجتمعات وأفراد مجرد بشر خطؤنا أكثر من صوابنا ولا نملك الكمال. وقد يجرنا الحديث إلى مناقشة فلسفية عن الغريزة الإنسانية ونأتي بأمثلة عن حب البقاء والطمع والرغبة في السيطرة مثلًا والتعصب العرقي وغير ذلك. لكن لنضع نقطة هنا ونبدأ من أول السطر وننظر لميكانيكية الإدراك العقلي بصورة تشريحية. العقل يطبق في تحليله وتفكيره الطرق المنطقية ويستحضر التجارب الذاتية بالإضافة للوعي بما حوله. المخ تشريحياً يملك أماكن إدراك بصري ولغوي وذاكرة ومناطق تحكم معينة معروفة وظائفها وخلاياها وكثير من مركباتها الحيوية التي ندرسها في محاولة لفهم وظائفها. المخ البشري في ثوان قليلة يستحضر إداركه البصري واللغوي والذاكرة ليتعرف على شخص أمامه أو مكانه أو حتى يستحضر رداً على سؤال أو جملة في دائرة الحوار مع من حوله. استحضاره للقدرات هذه، تكون أساساً أو مساراً لتفاعله مع من حوله ومع بيئته. لكن هل يملك هذا العقل أن يخدعنا؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، كيف يمارس خداعنا؟ وقبل أن نجيب لنسأل أنفسنا سؤالًا مهماً: هل نبرر أخطاءنا وتصرفاتنا غير اللائقة وغير المقبولة؟ إذا كانت الإجابة بنعم، سنتبعها بسؤال آخر: كيف نمارس عملية التبرير هذه؟ وكيف تكون ميكانيكية تفكيرنا فيها. الإجابة لدى كل واحد منا، لذلك أترككم تفكرون وتجيبون معي. وقد نكمل الحديث في مقال قادم إن شاء الله.