بعض العناوين التي تنشر ككتب تُشعرنا وكأن السعودية بلد من كوكب آخر، يمكن لمن يعيش فيها - ولو حتى أسابيع قليلة - أن يخرج منها إلى بلاده محملاً بكنوز "معلوماتية" عن مجتمع عجيب متفرد، حتى إنه يبالغ في التعامل مع "كنوزه المعلوماتية" هذه وكأنها أسرار فائقة الخطورة ما اطلع عليها بشر قط خارج الحدود! خذ مثلاً كتاب الصحفية اللبنانية أسماء وهبة "90 يوماً في السعودية.. يوميات صحفية لبنانية"، جمعت مادته من مشاهدات وعلاقات اجتماعية عاشتها بين الرياضوجدة، وسجلتها على شكل يوميات، ثم صاغتها روائياً ونشرتها بين دفتي كتاب . لا أتوقف عند الكتاب بقدر ما أتوقف عند تصريح صحفي لكاتبته تقر فيه بما معناه أن القارئ العربي "متعطش لمعرفة المجتمع السعودي" لذا تعتبر أن "كلمة" السعودية تشد هذا القارئ، وأن المجتمع السعودي "مادة دسمة" لكل كاتب وصحفي عربي! تماماً نفس الاعتقاد الذي يتعامل معه أصحاب دور النشر تجاه كل إصدار سعودي يصلهم، وبالذات الروائي، وبقدر ما يحفل هذا الإصدار من بوح واقعي وتفاصيل مسكوت عنها، يقاس مدى اهتمامهم به وتبنيهم له ! ومن هذا المنطلق تجد إصدارات اعتبرت من الأكثر مبيعاً، وطبعت منها طبعات بالألوف، وذلك لاعتبارات تتعلق بما باحت به وفضحته بغض النظر عن مستواها الأدبي ! فكيف يمكننا أن نقنع العالم أن المجتمع السعودي مثل كلّ المجتمعات العربية له قضاياه ومشاكله كما لهم قضاياهم ومشاكلهم، وأن المجتمع السعودي أيضاً خضع لتغييرات، خلال السنوات الخمس الأخيرة، تكاد تكون جذرية في بعض أموره .. ومازالت حتى الآن قافلة التغيير الاجتماعي تسير وتسير. ومن لا يصدهق فلينظر بعين المجهر النقدي إلى ما ينشر عن المجتمع عبر وسائل التواصل الحديثة، على يد أبنائه وبناته، وحتى على يد كباره وشيوخه ومثقفيه ومسؤوليه . قلتها في مقال سابق وأعيدها الآن "ربما نحن الشعب الوحيد الذي لا يحتاج أحد لوضع جواسيس عليه، فكل ما يريد الجواسيس معرفته عن مجتمعنا سيجدونه منشوراً - عياناً جهاراً - في تويتر"! نعم .. أعتقد أنه ما عاد في مجتمعنا شيء "مسكوت عنه" ينتظر أن يأتي مَن "ينبشه" أو "يفضحه" فوق صفحات ورقية .. كما أعتقد أن مجتمعنا سيخرج - أو خرج - من كونه "أعجوبة" تشد القارئ العربي "إلا إذا كان هذا القارئ أميّاً تقنياً لم يتعلم بعد كيف يتتبع تغريدات السعوديين التي تملأ الأفق .. !