قرار رفع رسوم رخص العمل على العمالة الأجنبية من 100 ريال سنويا إلى 2400 لمن تقل نسبة السعودة عنده عن 50 % قد يكون أكثر القرارات إثارة هذا العام، وهو يستحق بالتأكيد وقفة تأمل من جوانب مختلفة، سأحاول أن أوجز وجهة نظري حيالها في الفقرات التالية: رفع كلفة العمالة الأجنبية (باستثناء العمالة المنزلية والعاملين في وظائف من شبه المستحيل أن يعمل السعوديين فيها) هو خيار وطني تنموي استراتيجي يجب الاستمرار فيه، بالاستفادة من تجارب "جميع" الدول المتقدمة التي حدت بذلك الخيار من لجوء شركاتها إلى توظيف الأجانب من الدول ذات الدخل المنخفض، على حساب مواطنيها، وعدم التراجع عن القرارات التي تستهدف ذلك مهما كانت الضغوط، سواء صدرت القرارات من مجلس الوزراء الموقر أو من وزارة العمل، فنحن لدينا عشرة ملايين أجنبي، وخلل خطير في سوق العمل، وفي ذات الوقت هناك قنبلة موقوتة هي البطالة الرجالية والنسائية التي ترتفع معدلاتها، وقد تؤدي لا سمح الله إذا لم تعالج إلى نتائج كارثية على أمن البلد واستقراره وهذا مالا يريده كل مخلص. أنا ضد التراجع عن القرار أو تأجيله ولكن أرى من المهم دراسة تعديله بحيث يأخذ في الاعتبار طبيعة كل قطاع، وعلى مدى توفر السعوديين للعمل فيه، فعلى سبيل المثال فإن البيع في الأسواق ومحلات التموينات يمكن بقرارات شجاعة ومدروسة ومتدرجة سعودتها بالكامل، ولكن ذلك مستحيل في قطاع المقاولات وفي بعض الصناعات. من المهم الأخذ في الاعتبار ماتعاني منه المؤسسات الصغيرة (التي لا تعمل تحت مظلة التستر الذي كان ولا زال من المؤمل من الدولة أن تعطي أولوية قصوى بكل جدية وحزم للقضاء نهائياً عليه وعلى العمالة السائبة، عبر تنسيق فعال وسريع بين وزارات العمل والداخلية والتجارة). كان من المنطقي ربط القرار بنطاقات، وفي هذا السياق للكاتب المتميز عبدالحميد العمري تحليل جيد للقرار، وهو من أكثر الإعلاميين طرحاً لمشكلة البطالة، ويرجى من وزارة العمل أخذ هذه التحليلات بالاعتبار، وألا يكون الهدف النبيل الذي تسعى له ويجب أن ندعمها حتى يتحقق، مبرراً للتناقض أو الاستعجال في القرارات، حتى يكون هناك إجماع أكبر على توجهاتها، وفرصة أقل لنجاح الضغوط التي يمارسها رجال الأعمال ضدها وضد قرارات السعودة، بعضهم من منطلقات موضوعية، والكثير منهم من منطلق المصالح الضيقة التي تسعى فقط لتعظيم الأرباح، ولا تعطي أي وزن لضرورة زيادة مساهمة رجال الأعمال في حل مشكلة البطالة الرجالية والنسائية حلاً حقيقياً، عبر تبني برامج تدريب وتأهيل لأبناء وبنات البلد الذي يمنحهم الثروات، وتوظيفهم برواتب ملائمة تضمن عدم "تسربهم" وهو عذر يجب ألا يكون مقبولاً منهم.