في الوقت الذي تؤثر العوامل الجيوسياسية بسوق النفط العالمية من ناحية الأسعار فإن الأمل في الحفاظ على توازن السوق النفطية العالمية ضعيف جداً. وذلك في ضوء تواصل الارتفاع في معدلات الاستهلاك النفطي بدول الخليج المنتجة للنفط وذلك في ظل توقعات النمو الضئيلة للنفط المعروض على الصعيد العالمي، بالإضافة إلى تزايد الطلب من قبل الصين وبعض الاقتصادات الناشئة. وأشار تقرير للمركز الكويتي الدبلوماسي للدراسات الإستراتيجية أنّ إمدادات النفط على المدى القصير باتت أقلّ في ظل التوتر الراهن بين الغرب وإيران، مضيفا بأن السعودية هي الدولة الوحيدة التي تمتلك طاقة إنتاجية كافية لتغطية النقص في العرض، وبالتالي أصبحت هي الأمل الوحيد في الحفاظ على استقرار الأسواق العالمية. ولطالما أكدت المملكة تعهدها بالحفاظ على المعروض النفطي مع اتجاه الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على إيران، ولكن ذلك قد تم بشكل مؤقت فقط، حيث قامت المملكة بالفعل بزيادة الإنتاج ومن ثم الصادرات لفترة لم تكن طويلة وسرعان ما عاودت لمعدلاتها الطبيعية، مما يدل على أن المملكة لن تستطيع تلبية الطلب العالمي المتزايد على النفط باستمرار. وأرجع التقرير زيادة الاستهلاك النفطي في دول الخليج لثلاثة أسباب أولها ديموغرافي حيث تزايد عدد السكان في الخليج بسرعة كبيرة، حيث ارتفع عدد السكان في السعودية من 20 مليونا إلى 27.4 مليونا أي بنسبة 37%، بالترافق مع ارتفاع الطلب على الطاقة والمياه والنفط والوقود بصورة كبيرة. وثانيها اعتماد النفط كمورد أساسي لإنتاج الكهرباء في تلك الدول، وأما العامل الثالث فيتمثل في زيادة الدخل الفردي التي تقترن بها زيادة الاستهلاك على صعيد اقتناء السيارات وما تحتاجه من وقود. ومن المتوقع بحسب التقرير استمرار ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة المقبلة نتيجة عدة عوامل أهمها دخول فصل الشتاء والذي يشهد زيادة معدلات استهلاك الطاقة سواء داخل دول الخليج المنتجة للنفط أو الدول الكبرى المستهلكة للنفط. فالطلب على النفط ما زال قويا من آسيا، حيث تعتمد الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بشدة على زيادة نفطها من دول الخليج، في الوقت الذي تبحث فيه عن إمدادات بديلة لتعويض تراجع وارداتها من إيران، إضافة إلى العوامل الجيوسياسية كتصاعد العقوبات الدولية على الصادرات النفطية الإيرانية، حيث ان هناك بوادر تشير إلى التشدد في تطبيق الحظر على إيران وتقليل الاستثناءات الممنوحة لبعض الدول بالاستمرار في استيراد النفط الإيراني، إلى أن يصل الوضع إلى التجريم، كما أن الوضع الاقتصادي لإيران على شفا انهيار، ومستقبلها الاقتصادي في تدهور ملحوظ، نتيجة للتكاتف الأمريكي - الأوروبي والتشدد في تطبيق الحظر عليها، ويلوح في الأفق حاليا بوادر نجاح تلك المقاطعة الاقتصادية. ولفت التقرير إلى أن سوق النفط العالمية تعيش حالة من عدم اليقين، حيث ان الأسعار لم يعد لها حد معين هبوطاً وصعوداً، وأصبحت رهينة الظروف السياسية وكذلك الأمنية ولم تعد عوامل العرض والطلب هي العامل المحدد للأسعار كما تقول النظريات الاقتصادية المختلفة. ومن جهة أخرى فإن هناك زيادة بمعدلات الاستهلاك النفطي بالدول المنتجة له ومن ثم هناك خطورة بنقص الإمدادات العالمية في الوقت الذي لم تظهر فيه أي بوادر لظهور بدائل للنفط.