يعاني "طب الطوارئ" في المملكة من نقص حاد وواضح؛ بسبب قلة الكوادر، وما حدث في انفجار "شاحنة الغاز" في مدينة الرياض، وكذلك حادث "دار عين" في المنطقة الشرقية، إلاّ دليل واضح على ذلك، حيث تعرّض الكثير من المصابين إلى إصابات خطيرة ومضاعفات؛ بسبب تصرف دخلاء طب الطوارئ، الذين حملوا المصابين بسياراتهم الخاصة إلى أقسام المستشفيات من باب الفزعة والأجر والثواب,، وهو ما يُعتبر تصرفاً غير سليم، ولا يُنبئ بمعرفة طبية!. ولا تُعد المملكة البلد الوحيد الذي يعاني من نقص "طب الطوارئ"؛ إذ تشير الإحصاءات العالمية أن النقص يطال كل دول العالم في هذا المجال، الذي يزداد الطلب عليه دولياً، وهو ما يُحتم التوسع في هذا الطب، مع ابتكار وزارة الصحة رؤية جديدة قائمة على خدمة أكثر للمصاب، كما أنه من المُهم زيادة الوعي لدى المُجتمع، خاصةً المُتجمهرين حول الحوادث، فليس من المعقول أن يتم نقل مصاب على ظهر "ددسن"، أو سيارات غير إسعافية، وهو ما يتسبب في زيادة الإصابات أكثر فأكثر. د.صالح الهتيلة تدخل المتجمهرين وقال "د.صالح الهتيلة" -استشاري طب الطوارئ-: إن النقص العالمي في هذا التخصص الحيوي موجود، وأن المنظمات الصحية تحاول إيجاد الحلول للمشاكل الناجمة عنه، عبر التنسيق المستمر مع الحكومات، مضيفاً أن الإشكالية ليست في المسعفين الميدانيين، فهم مدربون على كيفية إسعاف المريض، إلاّ أنها تنحصر في تدخل غير المسعفين من المتجمهرين، مشيراً إلى أنه حينما كان يعمل في قسم الطوارئ بالعاصمة الرياض كان يأتيهم مصابون نُقلوا في سيارات من طراز "ددسن"!، أو سيارات غير إسعافية، مع وضع أربعة مصابين في سيارة واحدة، إضافةً إلى ملاحظته تدخل الناس في شؤون طب الطوارئ من باب الفزعة والثواب، وهذا خطأ كبير، مضيفاً أنه أحياناً يتأخر لنحو خمس دقائق حتى يصل الإسعاف يُعد أنسب وأفضل من التدخل غير المختص. د.سهيلة زين العابدين رؤية جديدة وأوضحت "د.سهيلة زين العابدين" -عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان- أن هناك نقصاً كبيراً في المجال الإسعافي المقدم للمصابين، سواء على الطرق أو في المناطق النائية، مُشددةً على أهمية زيادة طب الطوارئ، مع ابتكار وزارة الصحة رؤية جديدة قائمة على خدمة أكثر للمصاب، منها تواجد الطائرات المروحية عند الوزارة، إضافةً إلى الحد من الروتين القاتل الذي يؤخر نقل المريض من موقع الحادث إلى موقع آخر، مشيرةً إلى أن هناك تجربة في إحدى دول الخليج، حيث كانت مصابة تعاني من خطر الاختناق، وبعد أن عجزت عنه تم الاتصال بالإسعاف وعرف حالتها، فقدّر أن الوصول لها بالطائرة أفضل من السيارة، خاصةً أن المدينة تعاني الازدحام المروري في منطقتها. وأضافت أن هذه القصة تفتح أملاً في طب الطوارئ، ونحن في المملكة لدينا مساحات شاسعة تستغرق الوقت الكبير حتى تصل الخدمة إلى المصاب أو الذي يطلبها. إسعافات أولية وعن طب الطوارئ أوضح "د.الهتيلة" أن أي مسعف في طب الطوارئ تدرّب خلال عامين يستطيع أن يباشر عمله في أصعب الظروف، مضيفاً أن المدن الكبيرة يُعد التوزيع فيها لسيارات الإسعاف جيداً، مبيناً أن المصاب إن كان على طريق ناءٍ يجب أن يبادر بالاتصال على الهلال الأحمر، والاستفسار منه عن مدة الوصول، مشدداً على أهمية أن لا يفترض المصاب أو المتجمهرون أن الإسعاف لن يأتي، وعلى الجميع معرفة أن بقاء المريض أفضل من نقله، مبيناً أنه حتى ندعم طب الطوارئ بشكل حقيقي على الناس الدخول في دورات تقدمها المستشفيات مجاناً في الإسعافات الأولية، مثل إيقاف النزيف وإجراء التنفس الاصطناعي، وهذه الدورات البسيطة يمكن أن تنقذ إنساناً من دون أن تتسبب في وفاته. خطط استراتيجية ورأى "د.الهتيلة" أن وزارة الصحة وضعت خططاً إستراتيجية تُسهم في تحسين الوضع ضمن خطط مدروسة، مضيفاً أنه أصبح طب الطوارئ تخصصا في عالم اليوم، إلاّ أنه -مع الأسف- ليس لدينا العدد الكافي ليغطي كل المستشفيات، حيث لا تزال مستشفيات تعمل بالنظام القديم عبر مجموعة أطباء غير مختصين، مؤكداً على أن لدى المملكة برنامجاً لطب الطوارئ، تمكن من تخريج نحو ثماني دفعات، في كل دفعة نحو (20) طبيباً مختصاً، ذاكراً أن الحاجة في المملكة لا تزال بالآلاف، في حين أننا خرجنا المئات. وأضاف أن المشكلة عالمية، وهذا التخصص يُعد جديداً، وليس متوفراً فيه التدريب، إذ ليس كل الدول توفر التدريب لأطباء الطوارئ، مبيناً أنه تدرب في المملكة حتى أصبح طبيب طوارئ. طائرات إسعاف وذكر أن الحوادث الكبيرة التي وقعت كان طب الطوارئ حاضرا فيها، فمثلاً انفجار شاحنة الغاز في الرياض كان مستشفى الحرس الوطني قريباً من موقع الحادث، وهذا أسهم في السيطرة على الإصابات، حيث يُعد المستشفى من أوائل المهتمين بتخصص طب الطوارئ، كما أن لديهم العدد الكافي من أطباء الطوارئ، ما أسهم في تقديم خدمات ناجحة في الوقت المناسب، مؤكداً على أن المشكلة الأكبر في بعض الحوادث الكبرى مثل الغاز لا تكون من أصل الحادث، بل من تداعياته، فالناس تتجمهر ثم قد تكون ضحية للحادث. وشدّدت "د.سهيلة زين العابدين" على أهمية تطبيق فكرة طائرات الإسعاف، مضيفةً أنه من المهم توفير المراكز الإسعافية التي يعمل فيها أطباء مختصون في الطوارئ، وحديثنا هنا يأتي ليضمن حق الحياة للمصاب. نقص أجهزة وأكدت "د.سهيلة زين العابدين" على أن حل النقص الحالي في أطباء الطوارئ يكون عبر الطائرات الاسعافية التي ستقل المصاب إلى المستشفيات الكبرى بوقت قياسي، ليتمكن الأطباء الموجودون فيها من معالجته، مضيفةً أن النقل البري قد يكون متعذراً بحكم المسافة، ما يجعل الآخرين ينقلون المصاب إلى أقرب مستشفى، مشيرةً إلى أن بعض المستشفيات تعاني من نقص الأجهزة الخاصة بالطوارئ، مما ينعكس سلباً على المريض وحالته، مُقترحةً وضع نقاط إسعافية على الطرق الطويلة، فمن الشرقية إلى الرياض لدينا نحو (450كم) ويجب وضع نقاط إسعافية تتوفر فيها المعدات للتعامل مع الحالات الطارئة المختلفة. وشدّدت على أهمية أن تتوفر الخدمات الطارئة في مراكز الأحياء الصحية، مبينةً أنه مع الأسف تغلق الخدمات الطارئة مع نهاية الدوام الصحي في المراكز الأولية، لافتاً إلى أن الخدمات الطبية لا تتوفر بالشكل المطلوب في المستوصفات، كما أن قسم الطوارئ ينعدم خارج الدوام، ذاكرةً أنها كانت في حالة طارئة ولم تحصل على المساعدة الطبية؛ بسبب أن الدوام انتهى في المستوصف القريب من منزلها!. تقييم الحالة واتفق "د.حسام الحبيب" -استشاري جراحة العمود الفقري والمخ والأعصاب- مع "د.الهتيلة" قائلاً: إن النقص عام في مجال طب الطوارئ، كما أن أكثر الموجودين في الطوارئ يكونون من تخصصات عامة أو أخرى، مضيفاً أنه في بعض المستشفيات يكون هناك متخصصون بيد أن الغالبية غير ذلك؛ نظراً للنقص الحاد الذي نعاني منه كبقية الدول، مشيراً إلى أننا نحتاج إلى أعوام قادمة لنحقق إنجازاً في سد النقص، موضحاً أن النقص حالياً ظاهر في المجال الطبي في المملكة، ويعود ذلك لأن بلادنا مترامية الأطراف. وأضاف أنه ينشأ عن حالة النقص ضغط على الأطباء المختصين، ففي التقييم يطلب أطباء الإسعاف من الطبيب المختص الحضور والتقييم، وذلك لعدم قدرة طبيب الإسعاف تقييم الحالة، ومن هنا يحصل الضغط، مبيناً أنه لو وُجد طبيب طوارئ سيتمكن من معرفة كل حالة وتحويلها للوجهة المطلوبة سريعاً.