رأيتُ المتضرر من معاملة أو سوء تطبيق النظام أو المحاباة والتجاوز في دائرة حكومية يتحاشى الشكوى إلا لله. لأنه يخشى على مصالحه المستقبلية مع تلك الدائرة أن تتعرض للخطر إذا علم كبار تلك الدائرة أنه كشف شيئاً من معاناته وعذابه إلى أحد - أيّ أحد. فالمتضرر يبتعد عن الكاتب والمحرر والمحقق الصحفي خوفاً أن ينشر شيئاً يُستدل منه على أن الذي " أفشى " الموضوع هو فلان الفلاني، لأنه هو الوحيد الذي يعرف القضية المنشورة. وإن حدث وباح المتضرر بكلمة أو كلمتين من معاناته فإنه يطلب من السامع عدم الحديث عنها. وحاشا أن أقول أن ذاك المتضرر يقصد ترويج الفساد، لكنه يخشى بالدرجة الأولى أن تُصاب مصالحه ويمسها الضر. فإذا ظهر نظام جيّد، في صالح العمل ومنفعة الوطن والمواطن وجدنا من يستطيع ليّ بنوده لتتوافق مع مصلحة أحد. وإن تضرر أحد آخر من ذلك النقض والفتل والتحريف، فإنه لن يجد - مستقبلا – من يُعطيه موعداً، أو حتى يرد عليه السلام، ناهيك عن إمكانية تعطيل كل مصلحة يكون المتبرّم ( الشاكي) جزءا منه. ولا تغيب عن أنظار الناس فئة سمحت لها الظروف أن تظهر وأصابتها - ربما - علل في شخصيتها، وتستلذ أن يعاني المجتمع العملي منها. أو هي تحاول أن يشعر الناس بأهميتها ومكانتها أو تكون ذات أفضال على رجال أعمال وأهل مكانة ليحققوا له مصالح يرتجيها لديهم، فهو (أقصد الموظف) يريد أن يتسامع الناس عنه. ومهما حاولنا التغلب على الفساد وعندنا مثل تلك العقليات فلن نذهب بعيداً.