الحوار والمحاورة لإثبات الحق ووحدانية البارئ جل وعلا والدعوة إليها مما كثر وروده في القرآن الكريم كما في محاورة نبي الله إبراهيم عليه السلام لأبيه ولقومه، وكما في محاورة موسى عليه السلام لفرعون وغيرها من محاورة الأنبياء لأقوامهم. إذاً محاورة الكافر لاقناعه بالإسلام أمر نصت عليه نصوص القرآن الكريم كما في قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) فلا مجال للاجتهاد فيه.. أما الحوار بين المذاهب الإسلامية فيمكن ان أتحدث فيه بعد أن أؤكد مسلّمات مهمة وهي: 1- أن الواجب على جميع الأمة الإسلامية الاتحاد والاجتماع على الحق فلا يجوز أن يختلفوا في أصول الإسلام العظام كأركان الإسلام والايمان من الإقرار بها والعمل بموجبها وهذا العمل يكون حسب القدرة والطاقة وليس هذا محل تفصيله. 2- أن الله قادر أن يجمع البشرية على أمر واحد ولكن اقتضت حكمته أن تتباين أنظارهم وتختلف مداركهم قال تعالى: (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى). 3- أن مفتاح الدخول في الإسلام والعاصم الناجي بإذن الله من الخلود في النار هو النطق بالشهادتين والإقرار بما فيهما من توحيد البارئ جل وعلا وعدم نقض تلك الشهادتين بما يناقضها عن عمد أو تقصّد بدون إكراه، فمن التزم بهما نطقاً وإقراراً ولم يناقض ذلك فهو من أبناء الإسلام يجب له المحبة على قدر إيمانه وإسلامه مهما ارتكب من الذنوب والمعاصي والبدع غير المكفرة.. ولا يفهم من ذلك التقليل من تلك الأخطاء ولكن ذكرت ذلك للتأكيد على أصل مهم من حقوق المسلم ألا وهو محبته التي يجب أن تبقى وتزداد كلما ازداد تمسكه بدينه. 4- أن الإسلام دين شامل وكامل لجميع أمور ومناهج الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية صالح لها ولإسعاد البشرية في كل زمان ومكان فهو دين المحجة البيضاء، الدين الذي أُكملت به النبوات وخُتم به المرسلون. 5- أن الإنسان خطاء وكلّ يخطئ ويصيب فمن كان من أهل الاجتهاد وبذل وسعه وظن أن فعله هو الصواب وكان الحق بخلافه فهو مأجور، وإن كان الصواب بجانبه فالأجر يكتب له مرتين بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد اجتهد بعض الصحابة الكرام بأمور عظام سالت بسببها بعض الدماء ولم ينقص ذلك من قدرهم ومكانتهم، وهكذا اجتهد بعض علماء الإسلام ببعض المسائل العقدية فحفظت لهم مكانتهم عند إخوانهم من العلماء الآخرين. فإذا عرف ذلك كله فنقول ما هو المانع من محاورة بني الإسلام بعضهم لبعض لأجل إظهار الحق؟ أليس هذا أولى وأهم من محاورة غير المسلمين؟ فكيف وقد كان الأئمة السابقون يحاورون من سبقهم فهذا علي بن أبي طالب أرسل ابن عباس - رضي الله عنهما - لمحاورة الخارجين عليه فعلى هذا النهج سار خلفاء الإسلام من بعده فكتب التاريخ سجلت محاورات عظيمة عقدها الخلفاء لأجل محاورة من وقع بالخطأ لأجل رده للحق، كما أن هذا نهج العلماء الأفذاذ فحياة ابن تيمية - رحمه الله - مليئة بمثل هذه المحاورات فالحق لابد من إبرازه وإظهاره بمثل هذا الحوار مع وجوب عدم التغافل عن ما أشرت إليه بالفقرة (3) من حفظ حقوق الأخوة للمسلمين مهما اقترفوا من أخطاء، ومع وجوب عدم التمايع مع أهل الضلال، بل لابد أن يُبين لهم خطؤهم بكل وضوح وبأسلوب مقنع وحجة واضحة فما أجمل كلام ورأي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عندما سئل عن الذين خرجوا عليه أهم كفار؟ قال هم من الكفر فروا لكنهم إخواننا بغوا علينا.. إن هذا الخليفة وضع نصب عينيه قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا...) فالله حفظ لهما حق الأخوة مع أن الدماء ستسيل بسبب هذا القتال. فأين هذا من الواقع المخزي من بعض أبناء الإسلام عندما يختلفون مع بعض إخوانهم المسلمين تجدهم يتنكرون لأخوتهم، ويرمونهم بكل داء وربما أخرجوهم من الإسلام، بل يزداد الأمر سوءاً بأن يفرحوا ويسروا بمصيبتهم، بل ويناصروا عليهم الأعداء ويتمنوا أن يقضوا عليهم. فهذا الانحطاط العملي وقلة التأصيل المعرفي لدى بعض أبناء الإسلام وخاصة ممن ينتسبون للدعوة جعل خادم الحرمين الشريفين يطلق هذه الدعوة الكريمة الشامخة لأجل اتحاد أمة الإسلام، ولإدراكه أن كثيراً من المنتسبين لبعض الفرق الإسلامية التي لديها خلل هم من الجهلاء وأكثرهم ينسب لها زوراً وبهتاناً وأن القليل جداً منهم من يحمل منهاجاً فكرياً مخالفاً للحق، ومع ذلك فهم مازالوا من أمة الإسلام وهذه الدعوة الكريمة هي تطبيق عملي لنهج علماء الإسلام قديماً وكذلك للفتاوى من هيئة كبار العلماء في بلادنا التي أصدروها قبل عشرات السنوات ومازالت محفوظة في فتاواهم المجموعة وهم انتقلوا إلى رحمة الله منهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وعبدالرزاق عفيفي، وعبدالله بن قعود، وعبدالله الغديان، وغيرهم فكلهم قالوا بالتعاون والتكاتف على الحق مع أبناء الإسلام مهما كانت أحزابهم وأن يُبين لهم الحق بالتي هي أحسن فيما وقعوا فيه من أخطاء. وفي الختام ثقتي بالله ثم بالاختيار الصائب من خادم الحرمين الشريفين بأن يتولى إنفاذ هذه الفكرة وتفعيلها رجال يسيرون على نهج وحكمة أولئك العلماء الأفذاذ ليُكتب لها النجاح بإذن الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم. *الملحق الديني بسفارة خادم الحرمين الشريفين في أندونيسيا