للأمن الوطني أهمية قصوى في جميع الأوقات، إلا أن أهميته تكتسب وضعاً خاصاً عندما تتأرجح كفة الاستقرار في الدول المجاورة بالإضافة إلى وجود أطراف محرضة تتدخل في شؤون الآخرين وفق أيديولوجيات التوسع والاستحواذ وتشجيع النبرة الطائفية كما تفعل إيران في لبنان وسوريا واليمن والبحرين وبقية دول الخليج، ناهيك عن وجود أطراف داخلية تخدم ذلك التوجه مثل فلول القاعدة والتطرف وغيرهما ممن قل عقله وكثر طمعه ممن يطبق قاعدة الأنانية: «إذا مت ظمآن فلا نزل القطر»، ناهيك عما تمثله دولة إسرائيل من تهديد حيث أنها تعمل الليل والنهار على اجهاض أي حراك بناء أو تنمية مثمرة أو تقدم مفيد وهي على استعداد للتحالف مع إيران أو غيرها ممن يعمل على تفتيت الدول العربية إلى دويلات طائفية مثل ذلك الذي يخطط له في العراق وسوريا ولبنان واليمن، أو على الأقل ضمان عدم الاستقرار في جميع دول الشرق الأوسط، أو التقسيم كما حدث في السودان، أو حرب أهلية كما يحدث في الصومال، وفي كل الأحوال نجد أن الأصابع الإسرائيلية والأنامل الإيرانية حاضرة هناك، فهل هذا صدفة؟ تعزيز أطر الأمن الوطني بجميع أبعاده التي تشمل قدرة الدولة على حماية أراضيها وشعبها ومصالحها وعقيدتها وثقافتها واقتصادها ومجتمعها وقبل ذلك وبعده وحدتها الوطنية. ولذلك فإن العمل على تقييم جميع مؤسسات الدولة وفعالية كل منها في أداء المهام الموكلة إليها أصبح من الضروريات التي نحتاجها وفي المقابل نجد أننا في المملكة نعايش حراكاً إيجابياً داخلياً وخارجياً بقيادة الملك عبدالله ومؤازرة ولي عهده الأمين الأمير سلمان - حفظهما الله - وذلك في مجالات الاصلاح والتطوير ومحاربة الفساد والمخدرات وغسيل الأموال وبذور الجريمة المنظمة وأدواتها، وقبل ذلك وبعده الوقوف الحازم في وجه الإرهاب والتطرف وأذنابهما ناهيك عن مواجهة دعاة الفرقة والتعصب والطائفية والقبلية والاقليمية وغيرها من الممارسات التي لا تشكل ظاهرة ولكنها تحتاج إلى وعي بمخاصر وانعكاساتها وذلك إدراكاً منها بأن هذه مخرز معاول هدم في جدار الوطن. نعم المملكة تنعم بنعمة الاستقرار والأمن المستتب في بحر اقليمي مضطرب وسحب استقطاب تؤجج من قبل قوى اقليمية ودولية لها مصلحة في عدم استقرار المنطقة، وحيث أن المملكة يقودها ربان ماهر يبحر بها نحو بر الأمان سلاحه العدل والتوازن وسد جميع الثغرات التي يحاول الأعداء النفاذ منها لهدم الوحدة الوطنية من خلال هز وحدة الكلمة ومحاولة تفريقها.. وعليه فإن تعزيز الأمن الوطني من خلال تحديد الايجابيات وتعزيزها واشهارها والثناء على العاملين على انجازها وتحديد السلبيات والعمل على التخلص منها وإبعاد من تسبب بها، ناهيك عن البحث عن النواقص وسدها والمكملات التي نحتاجها والعمل على تأطيرها وادخالها عجلة الأمور الأمنية والتنموية والخدمية والاستثمارية والدفاعية وغيرها مما يعتبر ضرورياً لتعزيز أطر الأمن الوطني بجميع أبعاده التي تشمل قدرة الدولة على حماية أراضيها وشعبها ومصالحها وعقيدتها وثقافتها واقتصادها ومجتمعها وقبل ذلك وبعده وحدتها الوطنية. ولذلك فإن العمل على تقييم جميع مؤسسات الدولة وفعالية كل منها في أداء المهام الموكلة إليها أصبح من الضروريات التي نحتاجها ويشمل ذلك إعادة الهيكلة وادخال دماء جديدة والتخلص من رواد الروتين والاحباط والتعطيل الذين يلجأون إلى تلك الممارسات لأنهم لا يجيدون غيرها وهؤلاء تجدهم خلف اجهاض المشاريع وانتشار الفساد وتعطيل مصالح الناس، وإذا أمعنا النظر في بعض الأمور الايجابية التي يمكن القيام بها نجد أن: * خدمة العلم لمدة سنة أو سنتين من قبل جميع خريجي الثانوية العامة وجعل ذلك أحد شروط القبول في الجامعات والكليات أو التوظيف في القطاع العام والخاص، إن مثل ذلك التوجه له فوائد عديدة منها بناء احتياطي نظامي لجميع فروع القوات المسلحة سواء كانت في مجال الأمن أو الدفاع أو الحرس ومن ناحية أخرى تعتبر الخدمة العسكرية الاجبارية ذات بعد تربوي ورياضي ونفسي واجتماعي يتعود الملتحق بها على الضبط والربط واطاعة الأوامر والتخلي عن الكسل والخمول والترهل الذي ينتاب بعض شبابنا الذي تعود على عدم تحمل المسؤولية نتيجة التربية غير المتوازنة التي تتضمن عدم الاتكال عليه حتى يصل إلى سن الرجولة، ناهيك عن امكانية اختيار بعض العناصر المتفوقة منهم للالتحاق بالكليات والمعاهد العسكرية أو تعويض من يتم احالتهم على التقاعد من الجنود وصف الضباط ناهيك عن أن ذلك يتيح زيادة تعداد القوات المسلحة بصورة انتقائية حيث تمثل خدمة العلم الوسيلة الأفضل لاستقطاب أكبر عدد من الشباب لشرف خدمة الدفاع عن الوطن. * في مجال خدمات وزارة الداخلية التي تشمل الشرطة والمرور والنجدة والدفاع المدني وأمن المنشآت وخفر السواحل وحرس الحدود والمباحث العامة ومكافة المخدرات والجوازات والجنسية والأحوال المدنية والأمن العام وارتباط جميع إمارات المناطق ال (13) بها كل ذلك القى ويلقي على تلك الوزارة أحمالا وأعباء اثبت واقع الحال أنها تحتاج إلى دعم بالكوادر البشرية المدربة والمؤهلة ولهذا صدر أمر خادم الحرمين الشريفين باستحداث (60) ألف وظيفة لصالح وزارة الداخلية لتعزيز قدراتها على أداء مهامها في حماية أمن الوطن والمواطن. وذلك استجابة لزيادة عدد السكان واتساع المدن ووجود أكثر من ثمانية ملايين من العمالة الوافدة والظروف الاستثنائية التي تمر بها بعض الدول المجاورة وانعكاساتها. لذلك فإن زيادة عدد أقسام الشرطة والمرور بحيث تشمل جميع الأحياء وعدد دوريات المرور على الطرق الطويلة، وعدد وحدات الدفاع المدني ومضاعفة عدد وحدات المرور السيار كل ذلك كفيل بتقليل الحوادث وخفض عدد المخالفات والتجاوزات. هذا بالإضافة إلى عدم منح رخصة القيادة إلا بعد التأكد من أن حاملها يعرف بل يتقن كل الحقوق والواجبات المترتبة على الحصول عليها. نقول هذا لأننا نشاهد ممارسات عديدة تدل على أن الثقافة المرورية لدى الغالبية العظمى من قائدي السيارات ضحلة أو حتى معدومة، ولذلك نجد أن نسبة الحوادث لدينا مريعة يذهب ضحيتها عشرات الآلاف بين الموت والإعاقة داخل المدن وخارجها. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن الدفاع المدني ومكافحة المخدرات ومنع السرقات وكشف التزوير والتستر والتخلف والتهريب وغيرها تحتاج إلى زيادة عدد رجال الأمن المؤهلين والمتخصصين في كل مجال من هذه المجالات وذلك في سبيل مواجهة الزيادة المضطردة في تلك المخالفات حسب ما يتم الإعلان عنه بالصحف من قبل الجهات الأمنية. * وزارة المياه والكهرباء معنية بتحقيق الأمن المائي الذي يعتبر أساس الاستقرار والصمود والاستثمار. وبما أن المملكة دولة صحراوية شحيحة الأمطار والموارد المائية فهي تعتمد على تحلية مياه البحر بصورة رئيسية وهذا وحده مصدر لا يمكن الركون إليه في الظروف الاستثنائية، وعليه فإن تلك الوزارة لا بد أن تكثف الأبحاث والدراسات التي تؤدي إلى إيجاد مصادر مياه آمنة، ناهيك عن جعل الخزن الاستراتيجي للمياه في كل مدينة وقرية أولوية قصوى، فالماء أساس الحياة وهو عنصر الصمود الأول لأي جبهة داخلية. إن حصد مياه الأمطار وتخزينها والتنقيب عن المياه تحت سطح البحر على دول السواحل واستجلاب المياه من تحت الصحاري القاحلة مثل الربع الخالي وغيره والتعامل معها كاحتياطي يستخدم عند اللزوم أصبح أمراً في غاية الأهمية خصوصاً تحت الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة. * وزارة الزراعة معنية بتحقيق الأمن الغذائي الذي يجب أن ينتج الحد الأدنى منه محلياً ويعزز بالخزن الاستراتيجي للمواد الغذائية ومبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي في الخارج الذي بدأ يؤتي أكله. إن الاستفادة من تجارب الآخرين في مجال الزراعة والثروة الحيوانية في المناطق الجافة ودعم ذلك بالأبحاث والدراسات بالإضافة إلى استغلال الفرص التي يتمثل بعض منها في وجود فائض غذائي غير مرغوب فيه في بعض الدول مثل تكاثر الإبل في استراليا وبحثهم عمن يساعدهم على التخلص منه. ناهيك عن اننا دولة تملك أكثر من (2640) كيلو متراً من السواحل على كل من الخليج العربي والبحر الأحمر وقرب بحر العرب والمحيط الهندي وهذا يؤهلنا لأن ندخل صناعة صيد السمك وجعل المأكولات البحرية من البدائل المتاحة أمام المواطن من حيث كمية العرض والسعر المناسب. أما صناعة التعليب وحفظ المواد الغذائية فهو من الأولويات التي يجب اللجوء إليها فهي الخيار الأول في عمليات الخزن الاستراتيجي. وعلى العموم فإن الأمن الوطني له أبعاد كثيرة ومؤسسات عديدة تعنى به وقد اشرت إلى بعض أبعاده وتركت الباقي لعناية ذوي العلاقة من المتخصصين الذين لا بد وأن يدلوا بدلوهم خصوصاً أن حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومؤازرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع - حفظهما الله - يرحبون بالآراء البناءة والمشورة الصالحة. ويدعون جميع المسؤولين للحذو حذوهم من حيث سياسة الباب المفتوح وتبني الأفكار النيرة. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف يتمتع بالحكمة والحزم ولديه قدرة فريدة على حسن الاستماع وتبني الأفكار الجديدة والجادة والتواصل مع الآخر وخير دليل على ذلك «مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية» الذي يعتمد على الحوار والاقناع والذي تخرجت فيه أعداد كبيرة أصبحوا لبنات صالحة تعمل في صرح هذا الوطن. سدد الله خطى قيادتنا الرشيدة لكل ما فيه صالح البلاد والعباد، والله المستعان.