السعادة في الداخل لا في الخارج.. في نفوسنا لا في فلوسنا.. إن الشعور الداخلي هو الذي يحدد جمال ما نرى أو قبحه.. فرحنا به أو حزننا منه.. أجمل مكان في الدنيا هو الذي يجمع الأحباب.. فغرفة صغيرة جداً لا تضيق بمتحابين.. وميدان كبير واسع يضيق جداً بمن يكرهون بعضاً.. لا يوجد أجمل من الحب ولا أقبح من الكراهية وأسوأ.. الحب عسل.. والكراهية سم.. والعشاق يرون ان أجمل مكان في الدنيا.. هو ما ضم المعشوق.. وان أخصب بقعة على وجه الأرض هي التي يمشي عليها الحبيب.. إنها لا تعود مجرد بقعة أرض.. بل مسرح حب.. ومتحف جمال.. وبرواز لأحلى وأغلى الناس.. إن الذي يرى هنا ليس هو العينين الذي يرى هو القلب يرى بعين الحب.. عندها يتحول المكان الذي يمشي فوقه الحبيب إلى مكان معطر.. مفضل جميل وخصيب.. إن الحب يضع على أعين المحبين نظارة مسحورة تجعل الحبيب هو الأجمل.. والأكمل والأنبل.. وتجعل المكان الذي يتواجد فيه.. ويخطر بقده الجميل.. أزكى الأمكنة وأجملها وأحبها للقلب! قال محمد النميري: تضوع مسكاً بطن نعمان إذ مشت به زينب في نسوة خفرات يخبئن أطراف البنان من التقى ويخرجن جنح الليل معتجرات وكان سعيد بن المسيب - رحمه الله - معجبا بهذا الشعر.. لأن الشاعر وصفهن بالتقى والعفاف واللباس الساتر.. ونعمان واد قرب مكة يقول ان بطن الوادي فاح بالمسك الفتيق وتضوع بالعطر البديع حين مشت به زينب وداست عليه في خفر وحياء. إن التراب الذي تطؤه قدم المحبوب.. ويخطو فيه بقده الممشوق.. يتحول في نظر العاشق إلى تبر ويفوح بالعطر.. وينقل خيال العاشق إلى احتواء المكان للمحبوب فيصبح أجمل مكان.. وللشاعر المبدع سعود بن محمد: يا زين قولتها (كذا) تنسف الراس تضحك وسود الرمش غاش وجنها تذبح بجيد فيه رمح من الماس له لفتة خطر على الروح منها هيفا غرايب زينها يفتن الناس من شافها بالعين ما صد عنها تاهت بوجداني وقلبي والاحساس واقفت بغالي الروح بارخص ثمنها احب قاع به قدم رجلها داس حيث الوطن في الكون عندي وطنها جوهر نظر عيني كتبته بقرطاس اكتب بدمع العين للي محنها وهذا الشعر رائع رائق.. فيه حرارة الحب والوله.. وجمال الصورة والخيال.. ودقة العبارة واللفظ.. وحلاوة الموسيقى والجرس.. إن صورة الحبيبة هنا متحركة.. فاتنة.. مرحة تأخذ القلب، فهي تنسف شعرها الثائر حين تتحدث بصوتها المعذب، وتضحك وهي تتكلم فكأنها الموسيقى مع الألحان،.. ورموش عيونها السود تهتز على وجناتها الحمر ليكتمل جمال الألوان.. فيكتوي قلب العاشق ويحس ان رمشها رمح من ألماس يطعن القلب بألم مشوب بلذة، وبلذة ممزوجة بالألم.. هكذا يفعل الجمال فينا.. يسعدنا ويشقينا.. يطمئنا ويروينا.. ويجعلنا نتلهف ونلهث ونشتاق لفردوس السعادة والوصال.. والصورة التي رسمها الشاعر المبدع (سعود بن محمد) معبرة على اختصارها، لماحة رغم إيجازها، وتصل بعاطفة الشاعر إلى قمة العشق حين يقول: أحب قاع به قدم رجلها داس حيث الوطن في الكون عندي وطنها فهي - على الأقل في تلك اللحظة التي سحرته المحبوبة بجمالها - يرى فيها وفي أي مكان تحل فيه، وأي بقعة تمشي عليها برشاقة وأناقة وقد أهيف مياس..يرى» سعادة الدنيا.. ونهاية المنى.. وأجمل ما في الكون! ومجنون ليلى أجهش بالبكاء حين رأى (جبل التوباد في الأفلاج) لأنه مسرح حبه، ومكان لقائه بليلاه، وخازن أجمل ذكرياته أيام صباه، لهذا وقف عنده وتحدث معه وناجاه: وأجشهت للتوباد حين رأيته وكبر للرحمن حين رآني وأذريت دمع العين لما عرفته ونادى بأعلى صوته فدعاني فقلت له: قد كان حولك جيرة وعهدي بذاك الصرم منذ زمان فقال: قضوا واستودعوني بلادهم ومن الذي يبقى على الحدثان؟! وإني لأبكي اليوم من حذري غداً فراقك والحيان مجتمعان سجالاً وهتاناً ووبلاً وديمة وسحاً وتسجاماً إلى هملان