تختلط المشاعر في قلب العاشق حين يمرض معشوقه، فهي مزيج من الخوف والرحمة، الحب والحنان، الأمل والتوجس، الرقة والاضطراب والضعف.. ويكاد الشعراء العاشقون يجمعون على تمني ان يكون المرض الذي أصاب الحبيب قد أصابهم هم، وان الحبيب في تمام الصحة.. وهذا نوع من التضحية وهو من نتائج الحب الصادق. وقد يتمنى كثير من العشاق ان ما أصاب المحبوبة - وهي أجمل النساء في عيونهم فالحب أعمى - قد أصاب القبيحات! قال سحيم عبد بني الحسحاس: والحب يزيد مع مرض الحبيب، لأن العاشق يحس بغلاه، ويخشى فقده.. وإذا كان أجمل إطار للحب والمحبين هو الماء والخضرة والوجه الحسن، كما يقول المثل، فإن أصدق امتحان لعمق الحب هو مرض الحبيب، فمرضه كالنار تصهر مشاعر المبح من الأعماق. يقول قيس بن الملوح حين علم ان ليلى مريضة بالعراق: «يقولون ليلى بالعراق مريضة فياليتني كنت الطبيب المداويا تمر الليالي والشهور ولا أرى غرامي لها يزداد إلا تماديا فيارب إذ صيرت ليلى هي المنى فزني بعينيها كما زنتها ليا على مثل ليلى يقتل المرء نفسه وإن كنت من ليلى على اليأس طاويا الا يا حمامات العراق اعنني على شجني وابكين مثل بكائيا ماذا يريد القام من قمر كل جمال لوجهه تبع ماذا يبتغي؟ جار في محاسنها أما له في القباح متسع غير من لونها وصفرها فزيد فيه الجمال والبدع لو كان يبغي الفداء قلت له: ها أنا دون الحبيب يا وجع ويقول العباس بن الأضف: عصبت رأسها فليت صداعاً قد شكته إليّ كان برأسي يقولون ليلى بالعراق مريضة فياليتني كنت الطبيب المداويا وددت على طيب الحياة لوانه يزاد لليلى عمرها من حياتنا فما أشرف الايفاع الا صبابة ولا أنشد الاشعار الا تداويا وما طلع النجم الذي يهتدي به ولا الصبح الا هيجا ذكر هاليا ولا سميت عندي لها من سمية من الناس الا بل دمعي ردائيا أحب من الأسماء ما وافق اسمها أو أشبهه أو كان منه مدانيا ولم أر مثلينا خليلي صبابة أشد على رغم الأعادي تصافيا خليلان لا نرجو اللقاء ولا ترى خليلين لا يرجوان التلاقيا وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما يظنان كل الظن الا تلاقيا وقد كان الشاعر عبدالله بن الدمينة هائماً بمحبوبته، مخالصاً لها، ويقال إنها تظاهرت بالمرض لكي تختبره وترى ردعة فعله، فقال: تعاللت كي أشجى ومابك علة تريد من قتلى؟ قد ظفرت بذلك لئن ساءني ان نلتني بمساءة لقد سرني أني خطرت ببالك» أما الشاعر ابن وكيع فيرى ان المرض زاد محبوبته حسنا وجمالاً فقال: «لو كان كل عليل يزداد مثلك حسنا لكان كل صحيح يود لو كان مضنى!» ويقول شاعر آخر - وفي قوله تكلف - : «مرض الحبيب فعدته فمرضت من خوفي عليه وأتى الحبيب يعودني فبرئت من نظري إليه» ولإبراهيم بن منصور الكنعاني - من شعراء عنيزة - سامرته مشهورة، وفيها من عجيب العشق والمعاني الكثير.. فمعشوقته كانت تهوى رجلاً آخر بدو أنه كان قد خطبها ثم تركها، وشاعرنا معلق بها وهي تدعوه للانتظار حتى يطيب جرح الحب الأول! هكذا بكل صراحة!.. ثم تصاب بالجداري.. وهو من أكثر الأمراض عدوى.. كما أنه يقبح الوجه الجميل بما يترك من آثار بعد البرء.. هذا إذا برئ صاحبه في ذلك الزمن الذي لم يكن فيه طب صحيح ولا تقدم علمي ولا شافٍ.. ومع ذلك يزداد الشاعر تعلقاً بها: يقول شاعرنا.. يا حمام على الغابة ينوح ساجع بالطرب لا واهنيه قلت حيه ولا كنه بيوحي مر عجل ولا سلم عليه يا عسى السيل دايم ما يروح ما يفارق جفار الصالحيه حيث ينصاه خطوات الطموح كل بيضا هنوف عسوجيه تنقض الراس لاجت بتروح وتنكسه لية من فوق ليه نقضت راسها ودها تروح قلبها مشتغل يبي خويه يا شريفه متى ودك نروح يم ديرة هلك يالعوسجيه قالت اصبر يطيبن الجروح شهر وعشر ودنوالي مطيه كن في ضامري قدر يفوح أو غروب توامى في ركيه بروح روحي بغت روحي تروحي يوم قيل الغفي فيه جدريه جعل زمل يبي خلي يروح ينكسر في شعيب الصالحيه قلت ياذا الحمام اللي تنوح جارك الله عن الرامي نجيه