لا يكاد يمر وقت قصيرة, إلا ونفجع بحريق في أحد الأماكن العامة في السعودية, ينتج عنه مقتل الكثير من الأبرياء بسبب التأخر في إخماد الحريق, أو بسبب الاختناق أو التدافع وليس لضخامة الحريق. وللأسف في كل حادثة تتشابه الأسباب, وهي بالتأكيد غياب وسائل الأمان والسلامة في هذا المكان, على الرغم أنها هي الجانب الأهم في كل بناء يتم تشييده في أي مكان في العالم. أكثر الأماكن تأثرا بالحرائق في السعودية هي مدارس البنات, وقاعات المناسبات أو بالأصح "استراحات المناسبات" فأكثر ما يحرص القائمون على بنائها أو ملاكها هو تطويقها مع كل الجهات بطريقة "بوليسية" وهذا أقرب ما يقال عنها, طبعاً دون أي مراعاة لجوانب الأمان والسلامة, فالمظلات الحديدية والأسوار العالية هي سمات هذه الأماكن, وكأن من سوف يكون في هذا المكان هم أخطر المطلوبين في العالم وليس بنات يدرسن أو نساء يحتفلن بمناسبة!! مسؤولية الحرائق التي تقع وتتكرر في المدارس أو الاستراحات تقع على عاتق جهتين حكوميتين: الأولى البلديات والأمانات, فهي الجهة الرسمية التي تمنح التراخيص للمباني, وللأسف اشتراطات البناء لا تهتم إلا بكم تبعد عن جارك وعن الشارع, كما أن الأغلبية من أصحاب الاستراحات بالتحديد لا يرجعون لها أساساً, ويمارسون نشاطهم بلا ترخيص, واكبر دليل, عدد الاستراحات المخالفة للأنظمة, فعلى سبيل المثال, ولو نظرنا لوضع استراحات المناسبات في الرياض, سوف نجد شارعا لا يتجاوز عرضه 15 مترا مكتظا بالاستراحات, يجعل إخلاء المكان أمرا يستغرق الكثير من الوقت, كما أن التجمع بهذه الطريقة يعيق من دخول سيارات الإسعاف أو الدفاع المدني بسبب تزاحم سيارات الزوار, لكن لو اشترطت البلديات مواقف سيارات تتناسب مع حجم كل استراحة لقضينا على هذه المشكلة التي هي مشكلة من ضمن مشاكل عديدة, ولكنها الأهم. الجهة الثانية: إدارة الدفاع المدني, فهي الجهة المسؤولة عن الأمن والسلامة في المنشآت,لذلك هي تشترط وجود, عدة مخارج للطوارئ, نظام الرش الآلي للحرائق, كاشف للدخان.. الخ, وهذه الاشتراطات موجودة كنظام على الورق لكن لا يتم تطبيقها على أرض الواقع, والسبب غياب الرقابة الميدانية, فبعض المدارس والاستراحات هي عبارة عن أحواش يتم بناء بعض الغرف بداخلها بواسطة الألمنيوم والحديد دون أي مراعاة لجوانب التمديدات الكهربائية التي في الغالب يقوم بتمديدها عامل "قد يكون مخالفا أنظمة العمل" والكارثة الأكبر إذا كان هذا العامل تعلم هذه المهنة هنا على يد أحد أبناء جلدته, وبالنسبة لمخارج الطوارئ أتحدى أن تجد احدى الاستراحات الخاصة بالمناسبة تحتوي على أكثر من مخرج وبالتحديد في القسم النسائي, إلا ما ندر!! أرواح نسائنا وأطفالنا أمانة في أعناق المسؤولين لدينا, وإذا كنا نهتم بجانب "لا أحد يراهم" في هذا المكان, فيجب أولاً أن نهتم بقواعد الأمن والسلامة, فهي أمر ضروري وليس ثانويا حتى لا نعيره الاهتمام الذي يستحقه, ويجب كذلك تكثيف جولات الرقابة والمتابعة على هذه الأماكن بشكل دوري ومستمر, والا يكون ذلك فقط بعد وقوع الحوادث والكوارث. إذا استمر الوضع كما هو عليه الآن, فسوف نتكبد المزيد من الحوادث والخسائر البشرية لا قدر الله, وسوف تتكرر كارثة مدرسة براعم الوطن في جدة, وحريق بقيق, وتطول القائمة لا قدر الله.