انتهت قبل أيام المعركة "السلمية" الفاصلة بين باراك أوباما وميت رومني بفوز الممثل الديمقراطي وممثل الأقلية الأمريكية الإفريقية لدورة ثانية تمتدلأربع سنوات أخرى، على الرغم من استمرار التحديات التي واجهته في بداية تسلمه للسلطة عام 2008، لكن مع بعض التحسن والانجازات على المستوى الأمريكي. ودوماً ومنذ انتخاب أوباما الأول وحالته تستحضر التحول الجذري الذي طرأ على الولاياتالمتحدةالأمريكية من ناحية تعاملها مع أقلياتها ونظرتها لهم، لاسيما تلك التي يحفل تاريخها بإشكالات جوهرية كالتمييز العنصري الذي كان معمولاً به قانوناً حتى الستينات من القرن الماضي. لكن ما يغيب عن الاستحضار كثيراً هو العنصر الآخر الذي يخضع للتمييز أيضاً، ألا وهو عنصر سكان أمريكا الأصليين بقبائلهم المتعددة والمتنوعة والتي خاضت مع البيض حروباً مهلكة منذ أربعة قرون أبادت منهم الكثير ودفعت بالباقين بعيداً عن الساحل الشرقي باتجاه الداخل. وكلما توسع الرجل والمرأة الأبيضان باتجاه الغرب اضطرت قبائل من سُمّوا بالهنود الحمر خطأً إلى الوسط فالغرب والجنوب. وبعد نقض الأبيض والمهاجرون الأوروبيون المستعمرون لكثير من معاهداتهم معهم والمجازر التي اقترفوها في حقهم بتفوقهم العسكري والعددي والنوعي لاسيما استخدام الخيول التي لم تعرفها أراضي أمريكا من قبل، وبعد ذلك اقتصرت سلطات هذه القبائل على مساحات محددة تُدعى بالمستوطنات أو المحميات، أياً كانت ترجمة كلمة Reservation، والتي يستطيع السكان الأصليون فيها من ممارسة بعض الحكم الذاتي. مع ملاحظة أن مناطقهم هي الأفقر بعد استيلاء البيض على كل الأراضي الزراعية أو المنتجة أو الغنية بالثروات الطبيعية، وبعد أن قضوا أو شبه قضوا على مصدر غذائهم الحيواني الرئيس وهو حيوان البافالو (من فصيلة الثور البري)، والذي مكن البيض من النجاح في دفعهم إلى الغرب. ونظراً لفقر هذه المحميات وضعف مواردها الاقتصادية بالإضافة إلى تشجيع وإغراء المستعمرين البيض للقبائل الهندية منذ وقت مبكر على تناول الكحول واستخدام المخدرات، فقد أصبحت هذه أكبر مشكلات المجتمع الهندي الأمريكي، والتي تؤدي بالترافق مع البطالة، إلى الإدمان، بسهولة. وأيضاً نظراً لآلية الحكم الذاتي الذي تمنحهم إياه الدولة فإن هذا يسمح لهم باستغلال الاتجار في الممنوعات. فعلى سبيل المثال فإن الكحول والقمار ممنوعان في الكثير من الولايات، لكن إذا كانت المحمية الهندية داخل واحدة من هذه الولايات فإنه بإمكانهم أن ينشئوا كازينو للقمار داخل حدودهم ويصلها كل من يشاء من خارج حدودهم أو داخل الولاية المعنية. مما فاقم من المشاكل الاجتماعية لديهم ومن القدرة على التأثير السياسي أو الاقتصادي. إن وضع سكان أمريكا الأصليين لا يختلف كثيراً عن السكان الأصليين في كثير من المناطق الأخرى من العالم. والمثال الذي يحضرني من شمال السويد حيث زرنا بلاد قوم ال "سامي" التي تدعى "لابلاند" هذا الصيف، والتي تمتد على دائرة القطب الشمالي بين شمال روسيا، فنلندا، السويد والنرويج. ومثل قبائل أمريكا الأصليين فتأثيرهم ضعيف في السياسة والاقتصاد السويديين أو الاسكندنافيين لعدد سكانهم القليل. كما أن تاريخهم لا يختلف من حيث صراعهم مع الأقوام الغازية عليهم والتي تمثلت في الفايكنغ. لكن من دون أن تخصص لهم محميات محددة كما في أمريكا. وكان من المثير زيارة إحدى أهم عواصم السامي في السويد وهي كيرونا والتعرف على شيء من ثقافتهم وحضارتهم. ثم زيارة المحميات الهندوأمريكية في غمار قطعنا للولايات المتحدةالأمريكية من الغرب إلى الشرق بالسيارة هذا الصيف، فمررنا بالعديد من المواقع الخاصة بقبائل متعددة عكست الكثير من المسكوت عنه في التاريخ الأمريكي والأوروبي مما يحتاج للتأمل والمقارنة التي تكشف الكثير من المشتركات، ولكن لا يبدو أن البيت الأبيض قريب بأي شكل في الوقت الحالي من هذه المجموعات. وسأترك التفاصيل إلى مقالة قادمة.