المسلّمة الديموغرافية الوحيدة في أميركا اليوم هي أن طفلاً واحداً يولد كل سبع ثوان، وأن مهاجراً جديداً يصل إلى شواطئ القارة الشمالية كل نصف دقيقة. وفي احصاء سكاني هو الأشمل في تاريخ أميركا الحديث، ستتحدد المعطيات الجديدة للنسيج الديموغرافي الأميركي من عرق المولود الجديد الى اثنية المهاجر. فأميركا أرض المستعمرين الأوروبيين أصحاب البشرة البيضاء في 1790، تشهد انقلاباً عرقياً اليوم مع اختلاط الملايين من أصول لاتينية وآسيوية في هذا النسيج، وبشكل يغير الصورة التقليدية لها من دون أن يغير حقيقة اعتبار التصنيفات العرقية جزءاً لا يتجزأ من الحياة الأميركية. محطة انتخاب باراك حسين اوباما أول رئيس أسود للبلاد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، رسمت عنوان المرحلة التي قطعتها الولاياتالمتحدة، منذ استعباد الأفارقة الى احتضان آلاف الأقليات اليوم، واعطائهم الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية، على نحو يمهد لوصولهم الى أعلى مراتب المجتمع الأميركي. ومن المتوقع أن يكشف التعداد السكاني الجديد أن أحد الأسباب وراء هذه النظرة الجديدة هو التغير الواضح في الأرقام الديموغرافية في الواقع. فهبوط معدلات الولادة «للبيض»، والارتفاع القياسي في معدلات الهجرة باتجاه الولاياتالمتحدة، خصوصاً من دول أميركا اللاتينية (نحو 14 في المئة من عدد السكان)، وازدياد الزواج المختلط بين الأعراق المختلفة قد غير «لون» الولاياتالمتحدة. وتشير بعض الدراسات التي نقلتها شبكة «سي أن أن»، وبناء على معدل نمو الأقليات الى أن عام 2050 سيشهد اضمحلالاً لأي غالبية عرقية أو إثنية في الولاياتالمتحدة، حيث نسبة «البيض» ستهبط إلى دون ال50 في المئة. وتثير هذه التوقعات مخاوف كبيرة لدى الأكثرية من البيض اليوم ومؤرخين مثل صاموئيل هاتينتغون حذروا في كتاباتهم من المد المهاجر وتغير طابع البلاد. الإحصاء السكاني بدأت الولاياتالمتحدة أول تعداد لسكانها عام 1790 وفقاً للدستور. واستغرق آنذاك 18 شهراً وشمل 4.5 مليون شخص في 13 مستعمرة (ولاية). ولكنه اليوم يستغرق 10 سنوات ويشمل نحو 310 ملايين فرد، في 50 ولاية من هاواي في المحيط الهادئ إلى مايْن على المحيط الأطلسي. وإضافة لعد كل شخص في كل أسرة، يجمع الإحصاء معلومات عن التركيبة العرقية والثقافيه للأسرة الأميركيه. فعلى سبيل المثال، في 1790، طلب من كل رب أسرة تدوين عدد «البيض» و «العبيد» المقيمين في منزله. وتولى مكتب الاحصاءات السكانية التابع للحكومة الأميركية ارسال أكثر من 135 مليون استمارة الشهر الفائت عبر الولايات، وأطلق حملة اعلانية لحض المدنيين على ملء الاستمارات في أكبر وأشمل احصاء يقوم به المكتب في التاريخ الأميركي الحديث. واذ تشمل الاستمارة عشرة أسئلة، أثار سؤالان منها استغراب جيسيكا اسكن، التي ولدت لأب مكسيكي وأم بيضاء. فالخانة الثامنة في الاستبيان تكتفي بسؤال إذا كان هناك شخصٌ في المنزل من أصل «هسباني» أو لاتيني أو إسباني (إثنية). أما السؤال الذي يليه فيسأل عن العرق، وتشمل الخيارات «أبيض»، «أسود أو أميركي من أصل أفريقي أو زنجي»، «أميركي من أصل هندي» أو «من سكان ألاسكا الأصليين»، «أسيوي» أو من «سكان هاواي الأصليين» أو غيرها من جزر المحيط الهادئ. وأخيراً لكل من لا ينتمي لهذه التصنيفات يستطيع اختيار «من عرق آخر». جيسيكا، مثل كثيرين من اللاتينيين الأميركيين اليوم تنتمي الى اثنية، انما لا تتماهى مع التصنيف «العرقي» بين البيض والسود. ويُتوقع أن يجذب هذا الخيار الأخير الكثير من متعددي الأعراق مثل جيسيكا وكثيرين من العرب، أو الأرمن أو الايرانيين أو آخرين لا ينتمون الى أي من الأعراق المذكورة. وعلى غرار احصاء عام 2000، يُنتظر أن يثير هذا التصنيف العرقي انتقادات في أوساط ليبرالية ويسارية، تعبر عن رفض هذا التصنيف بكتابة «إنسان» ضمن خانة «من عرق آخر». وهناك شق في الاحصاء لكل فرد من العائلة والرقم الأقصى المعتمد للعائلات هو 12 فرداً. هدف الإحصاء لا بد من التساؤل عن أهمية هذا الإحصاء، وعن كل هذا الهوس الأميركي بالعرق والإثنية. فالهدف الأساسي من الإحصاء هو مساعدة الحكومة الفيديرالية على تحديد كيفيه إنفاق ما يزيد على 400 بليون دولار من التمويل الحكومي كل عام، من أجل تحديد قدرة المستشفيات وخدمات الطوارئ على استيعاب الأعداد المتزايدة من السكان. وتساعد الأرقام في تقويم حجم المدارس والخدمات الحكومية في الأحياء المختلفة، أو أهداف أكثر ارتباطاً بالشأن العام، مثل تحديد عدد المقاعد التي تمتلكها الولايات المختلفة في مجلس النواب الأميركي. أما بالنسبة للأسئلة المتعلقة بشأن التركيبة العرقية والثقافيه للأسرة الأميركية، فالحكومة الفيديرالية تعتمد على هذه المعلومات لرصد امتثال المؤسسات الحكومية واللاحكومية لقوانين مكافحة التمييز مثل قانون حق التصويت، وقوانين الحقوق المدنية، وعدالة التوظيف. إضافة إلى ذلك، يؤكد بعض العرب الأميركيين، مثل عائشة مرشاني، وهي أميركية من أصل مغربي، أهمية تدوين الهوية العربية في إحصاء تعداد من أجل اعطاء صوت للأقلية العربية، من خلال التمثيل الصحيح في مختلف الولايات. ويساعد التمثيل في ولاية ايلينوي، مثلاً، ومدارس شيكاغو العامة، على طرح تعليم اللغة العربية في المدارس بسبب الوجود الملحوظ للأقلية هناك. ولكن المخاوف تبقى لدى بعض الأقليات المهمشة، مثل المهاجرين غير الشرعيين والعرب والمسلمين، وخصوصاً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، من مواجهة مصير مشابه لمصير الأميركيين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية. ففي غضون أربعة أيام من الهجوم على بيرل هاربور (1941)، أصدر مكتب التعداد الأميركي قائمة تشمل عناوين كل أميركي ياباني في كل محافظة على الساحل الغربي للولايات المتحدة. ولمساعدة مكتب التعداد الجيش الاميركي على اعتقال أكثر من 100 ألف أميركي ياباني. وبناءً على هذه الحادثة يفضل بعض الأميركين العرب عدم تدوين هويتهم خوفاً من الصور النمطية وخشيةً من مصير مشابه، وفي حال وقوع اعتداء ارهابي ثانٍ على الأراضي الأميركية. وبالمثل، فإن العديد من المهاجرين غير الشرعيين، ومعظمهم من اصول لاتينية، يخشون الترحيل في حال تسريب معلوماتهم إلى السلطات. ولكن مكتب التعداد يصر على أن المعلومات المسترجعة من الإحصاء محمية ومحفوظة في سرية تامة، بموجب قانون الولاياتالمتحدة الفيديرالي. والاستبيان لا يتطلب من المشاركين في الإحصاء كشف معلومات عن وضعهم القانوني في أميركا. لذلك، تحض مؤسسات وجمعيات تمثل اللاتينيين وذوي الاصول الاسبانية على المشاركة في الإحصاء، مسلطة الضوء على أهمية معرفة العدد الحقيقي لذوي الاصول الاسبانية، من أجل الحصول على حصة من الموازنة الفيديرالية ومن أجل زيادة عدد النواب الذين يمثلون مصالح هذه الأقليات. للولايات المتحدة تاريخ طويل في جمع الإحصاءات المتعلقة بالعرق والاثنية وتحليلها. وقد لعب التعداد دوراً رئيساً في جمع معلومات عن التكوين العنصري للأمة ونشرها. وفي السابق، كان واجب هذه الاحصاءت الحفاظ على نظام اجتماعي وسياسي «أبيض» يستبعد غير البيض من الحقوق المدنية والسياسية. ولكن ثورة الحقوق المدنية في ستنات القرن الماضي غيرت بشكلٍ جذري طريقة استخدام نتائج الاحصاءت السكانية. فاليوم تستخدم المؤسسات الحكومية والمدنية نتائج الإحصاء لتحديد ما إذا كانت المجموعات المستبعدة تاريخياً قد تغلبت على عقود من الاستعباد والعنصرية، وللكشف عن انتهاكات جديدة ضد المهاجرين الجدد. ولكن مع اختلاط الأجناس واختفاء التصنيفات العنصرية الواضحة، يتساءل بعضهم عما سيكون تأثير هذا الاختلاط على شكل السياسات الأميركية داخل القارة وخارجها؟ فاليوم، من كل 10 زيجات لذوي الأصول الأسبانية أو الآسيوية، ثلاث ستكون زيجات مختلطة، وواحدة من كل ستة زيجات للسود ستكون متعددة الأعراق. فمتى ستختلط الألوان الأميركية لتعطي لوناً واحداً؟ وما هي الأبعاد الاجتماعية لهذا «الاختلاط»؟ وهل سيكشف تعداد 2010 أن أميركا الغد لم تعد بيضاء من أصل أوروبي ناطقة بالإنكليزية بل سمراء متعددة اللغات والثقافات؟