الديمقراطية وحرية الكلمة لا تعنيان الفوضى، ولا تعنيان السعي إلى هدم المكاسب التي تحققت كونهما تعنيان البناء والمسؤولية والالتزام والشفافية والعمل على كشف الاختلالات والحد من الفساد ومحاربته والسعي الجاد لإرساء قواعد الحكم الرشيد، كما ان الرسالة الإعلامية سواء أكانت رسمية أم حزبية ينبغي ان تحتكم إلى الضوابط المهنية والمسؤوليات الوطنية والأخلاقية ويجب ان لا تكون منفلتة أو تتطاول على الثوابت الوطنية وبدون ذلك تصبح حرية التعبير ضارة وهدامة وفاقدة للمصداقية، ومن واجب كل الشرفاء التصدي لتأثيراتها السيئة على المجتمع التي تفوق الفساد الذي يجب نقده ومكافحته، كما أن دور الوسائل الإعلامية في التوعية بقواعد الحكم الرشيد ينطلق من التزامها بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه المجتمع الذي يتلقى طروحاتها باهتمام كبي.. يُحتم عليها الحرص على الصدق والموضوعية في التعاطي مع مختلف القضايا والهموم الوطنية وعدم تسويق الشائعات والأراجيف التي تضلل الرأي العام، كما أنه حريّ بوسائل الإعلام الرسمية والحزبية والأهلية السمعية والبصرية والمقروءة أن تتحرى الصدق والنزاهة فيما تتعرض له من قضايا وطنية سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية وغيرها وأن تنأى بنفسها عن التعصب الأعمى، وأن تضع في الحسبان أهمية الإنصاف والاعتدال في تقويم الإنجازات التي تحققت، وأن لا يصل غلو البعض في التعصب إلى حد إنكار كل مايراه المواطنون في الواقع المُعاش من إنجازات لايمكن حجبها.. خاصة وان تلك الإنجازات يتعامل معها المواطن يومياً ودائماً كالمدارس والمستشفيات والمستوصفات والطرقات والكهرباء والاتصالات وغير ذلك كثير، أما مظاهر الفساد والتي لايمكن حجبها أيضاً فيجدر بوسائل الإعلام أن تركز جهودها لجمع المعلومات الدقيقة عنها وجمع الأدلة والبراهين على وقائع الفساد بحيث يكون الحديث عنها موثوقاً ويتسم بالمصداقية ويستحق الاهتمام من قبل المواطنين الذين يتطلعون دائماً إلى تعرية الفساد وكشف الفاسدين ومحاسبتهم قضائياً للوصول إلى الحكم الرشيد الذي ينشده الجميع، وهو ما يعني ان وسائل الإعلام مطالبة بأن تكون في صميم العمل على مكافحة الفساد وتنوير المواطنين بالمعلومات الوافية.. وإذا كان المواطنون يأملون ان تكون وسائل الإعلام ملتزمة بالصدق والموضوعية في رسالتها فإن حرية التعبير التي يتفق الجميع على نصرتها ينبغي ان تكون في إطار المسؤولية الوطنية والأخلاقية، ومتسمة بالشفافية وان يكون النقد بناءً وليس قائماً على الاختلاقات والفبركات لتمرير مقاصد مغرضة هدفها الإساءة والتشويه خاصة وقد غرقت البلاد في سيل من الأكاذيب والخداع والتضليل الإعلامي إلى درجة هزت ثقة المواطنين في مصداقية مختلف الوسائل الإعلامية وعلى وجه الخصوص الصحف الحزبية والأهلية. ومع ذلك فإننا نتمنى على عموم وسائل الإعلام التزام الصدق والصراحة والمسؤولية لتكسب ثقة واحترام المواطنين، في الوقت الذي يجب على مختلف الجهات المعنية تسهيل حصول مختلف الوسائل الإعلامية على المعلومات الدقيقة والصحيحة حول مختلف القضايا ماعدا تلك التي تقتضي المصالح العليا للبلاد التحفظَ عليها وهي نادرة وقليلة، وهنا نجدها فرصة لنفترض انه ليس من بين تلك القضايا المهمة والاستثنائية نتائج التحقيقات حول جريمة جمعة الكرامة أو حول الاعتداء الغادر على جامع النهدين، أو حول العملية الإجرامية الإرهابية في ميدان السبعين التي راح ضحيتها قرابة مائة فرد من جنود الأمن المركزي وأكثر من مائتي جريح من زملائهم الذين كانوا ينفذون البروفة النهائية للعرض العسكري بمناسبة العيد الوطني، وما حدث بعد ذلك من اعتداء آثم على طلبة كلية الشرطة الأبرياء وما صاحب ذلك الحادث من تخبط الأجهزة الأمنية في الإعلان عن منفذ ذلك الهجوم ومن وراءه، وما نظن أن التحفظ على المعلومات المتعلقة بتلك الجرائم وغيرها ومخططيها ومنفذيها يخدم أي مصلحة وطنية بل على العكس من ذلك يترك المواطنين فريسة للإشاعات والأنباء الملفقة والمختلقة والأكاذيب خاصة مع وجود الكيد السياسي والكيد المضاد والذي يصبغ عليه بعض الإعلاميين والجهلة منهم بوجه خاص الكثير من خيالاتهم المثيرة التي تمليها عليهم عصبية الانتماء الحزبي أو الرغبة الجارفة في الظهور ولا يهتمون في قليل أو كثير بمصداقيتهم أو مسؤوليتهم الأدبية والأخلاقية. أما بعض الحزبيين والسياسيين الذين يسربون عمداً معلومات مشوهة عادة عن أي قضية فذلك دليل بأنهم لا يقدرون ما يترتب على تجهيل وتضليل الناس ولا يقدرون العواقب فقد يصيرون ذات حين من الدهر من ضحايا الغفلة. ان الوضوح والصراحة والمكاشفة هي التي ستشفي ذلك البعض من الوسائل الإعلامية المسموعة والمقروءة والمشاهدة وكذلك بعض السياسيين من عاهة التلفيق والإثارة المقصودة أو التي كان السبب فيها ندرة أو انعدام المعلومات.. أو مقتضيات المكايدة السياسية التي اوصلت البلاد إلى ماهي عليه اليوم. كما أن الوضوح والشفافية سيجعلان الإعلام بكل أشكاله وأنواعه أكثر قدرة على كشف مكامن الأخطاء والقصور وبالتالي كشف معاقل الفساد وصولاً إلى الحكم الرشيد.