عيدنا هذا العام ليس كبقية الأعياد، شهداء ومصابون بالعشرات حرقاً وغرقاً في شرق المملكة ووسطها وجنوبها وقصص ما دار في كواليس هذه الأحداث أصبحت مادة لا تنفذ للصحافة الإلكترونية والورقية والوسائط الاجتماعية. 10 ضحايا في سيل رابغ، قرية تمايا صاحبة البطل يوسف العوفي/الزبالي الذي استشهد غرقاً بعد أن أنقذ عشرة أشخاص في 6 ذي الحجة/22 أكتوبر. و25 ضحية أغلبهم من النساء والأطفال في حريق حفل زفاف في عين دار بابقيق المنطقة الشرقية في رابع العيد، 14 ذو الحجة/ 30 أكتوبر، وأخيراً، 22 ضحية في انفجار شاحنة غاز شركة الغاز والتصنيع الأهلية في شرق الرياض الخميس 16 ذي الحجة/1نوفمبر. فهل كانت تستحق هذه الحوادث كل هذه الأعداد من الضحايا فضلاً عن المصابين الذين يقبع كثير منهم بعد في العناية المركزة؟ بالطبع لا. فأسباب الحوادث لا تتعدى كونها أخطاء قاتلة ناتجة عن إهمال وتقاعس في الأداء وفي المشاريع وفي المراقبة وفي تطبيق القوانين التي يجب أن تأتي في مقدمة مراجعتنا على أن نحيلها على القضاء والقدر الذي لا يُسقط المسؤولية عن المقصّر. فغرقى السيل قضوا نتيجة بناء طريق في وسط مجرى السيل، سؤال بسيط: لماذا نبني في وسط مجرى السيول؟ والمحتفلات وأطفالهن بعرس عين دار ليس لهن يد في قرار أحد الرجال المحافظين على تقاليد بالية بأن يُحيَّا العروسان بطلقات نارية تحولت إلى كارثة لم يستطع أن ينجو هو منها، عندما أصابت الأعيرة النارية عمود كهرباء سقط على المدخل الوحيد لحوش الحفل فتحول هذا المخرج إلى مصيدة قاتلة تصعق بالكهرباء كل من تحاول الهرب. أو في أن يلبين الدعوة إلى عرس أعطي لموقعه تصريح حفل رغم افتقاده إلى مخرج حريق آمن من بلدية عين دار أو ابقيق نفسها. وسائقو السيارات الذين قضي لهم أن يكونوا قرب شاحنة الموت عند التفافها حول جسر الحرس الوطني تقاطع طريق خريص مع الشيخ جابر بسرعة، لم يكن لديهم شك في أن هذه الشاحنات تقود حمولتها في وسط شوارع الرياض عن إدراك كامل من مسؤولي البلدية والمرور والنقل والدفاع المدني وبقية الجهات بأنها آمنة وأن سائقيها مدربون وأن شركتهم ملتزمة باللوائح والقوانين التي تقيدها بها هذه الإدارات وأن الشاحنة مصممة بشكل يضمن مقاومتها للصدمات وأن الطرق والجسور مصممة هي الأخرى بشكل يتحمل الصدمات. لكن كلهم كانوا على خطأ لأن ما اعتبروه آمناً بداهة أو ثقةَ اتضح أنه ليس في مكانه. وسوف أستطرد في آخر حادثة لتوضيح تفاصيل الخلل. بناء على تجربة القيادة والسفر البري المتكرر في نواحٍ مختلفة من طرقات المملكة لاسيما الشرقية منها والشمالية والتي أفرزت عدداً من المقالات حول ملاحظاتي عن الطرق والمراكز الحدودية والخدمات لكني لم أفصل في أمر الشاحنات التي تستحق مقالاً مستقلاً. فيمكن القول بكل ثقة إنها قنابل موقوتة مُطلقة على مساحة الأراضي السعودية لاسيما عندما تكون حمولتها خطرة. وكان الملاحظ بشكل متكرر المخالفات التي تكلل هذه الشاحنات من مجرد المرور بها دون التدقيق في حمولتها أو وزنها. فمن الخارج يلفت النظر شيئان، الشكل الخارجي للمركبة وطريقة القيادة. والشكل الخارجي يشمل الإضاءة الخلفية والأمامية، وكيفية التخزين. فهناك عدد كبير من الشاحنات لا تدري عنه وأن تقود السيارة ليلاً إلا ويظهر لك فجأة وقد اقتربت منه كثيراً نظراً لضعف إضاءته الخلفية أو انعدامها أو تعطلها. ولا أحتاج أن أفصل في خطورة هذا الأمر لاسيما ونحن نتحدث عن طريق سريع متوسط السرعة فيه مائة إلى مائة وعشرين فيمكن بكل سهولة أن يحدث اصطدام أو انحراف عن الطريق مفاجئ يؤثر على توازن السيارة. بل هناك بعض السائقين ممن يقود شاحنته من غير إضاءة المصابيح الأمامية، وقد عجزت عن فهم كيفية الخطأ في أمر كهذا أو مروره على مرورنا دون توقيف. ثم نأتي إلى حمولته، من أبرز التجاوزات الظاهرية أن تكون الحمولة مما يتطاير كالرمل مثلاً ولا يُحكم غطاؤه مما يؤدي كما نعلم إلى التلوث ونشر كل أشكال الحساسية يمنة ويسرة فضلاً عن أن الحمولة تصل في نهاية الطريق ناقصة. أما القيادة فحدِّث ولا حرج على التجاوزات التي تصدر عن العديد من الشاحنات أولها عدم تقيدهم بالسرعة المقررة عليهم والتي توازي السيارات العادية وأحياناً أكثر أو عدم تقيدهم بالمسار الأيمن من الطريق، أو تجاوز أحدهم للآخر في وسط الطريق السريع وكأن حمولته من الريش. ناهيك عن التصدعات التي يحدثها تنقل الشاحنات في الطرقات كما يشاؤون. ومن الملاحظات على الشاحنات أيضاً استهتار الكثيرين منهم بالطريق العام فيمكن لشاحنة توقفت على جانب الطريق لتغيير إطار أو سواه فتستخدم أحجاراً لتحمي الشاحنة من الانزلاق عند إطاراتها الخلفية، أن تتركها وراءها بعد انتهاء حاجتها دون أن تحركها من وسط الطريق، معرضة السيارات الأخرى إلى مخاطر انفجار الإطارات أو انحراف السيارة. وقد كنا ضحية لأحد هذه الأحجار التي لم نميزها في الليل وفي طريق مظلم أدى إلى انفجار إطار سيارتنا، وحمداً لله أننا لم نصب بأذى، لكن تغيير الإطار دار بكل صعوبة في ظلام دامس في وسط طريق سريع تمر به الشاحنات دون توقف. فهل مسؤولية كل ما سبق هي مسؤولية السائق فقط؟ ومن هو السائق؟ وما هي خبرته؟ وكم تدربه شركته؟ وكم ساعة يقود الشاحنة بشكل متواصل؟ وهل يدري شيئاً عن حمولتها؟ ما هي مواصفات الشاحنة الآمنة التي تحمل مواد خطرة؟ ما دور وزارة النقل في ضبط هذه المواصفات؟ الأسئلة مشروعة تفتح كثيراً من الملفات. فعلى سبيل المثال يذكر مدير عام قناة العربية في السعودية خالد المطرفي على موقعه على تويتر أن السائق الفليبيني لم يمض عليه أكثر من عشرة أشهر في السعودية وأن هذا كان مشواره الثالث عليها وأنه قبل ذلك كان يقود شاحنة اسمنت. فباعتبار أن مصادر مدير قناة العربية صحيحة، ماذا تعني هذه السيرة؟ هل خبرة عشرة أشهر كافية لتكليفه بقيادة صهريج خمسة أطنان من الغاز؟ ووفق الرئيس التنفيذي لشركة الغاز والتصنيع م/محمد الشبنان فإن ما حدث كان "خطأ بشرياً"، وأن "الشركه تسعي دائما الي تفادي الحوادث عن طريق تدريب سائقيها وتعليمهم ومراقبتهم وفحصهم، بالاضافة الى تأمين ناقلات الشركة بالاجهزة والمعدات اللازمة" لكنه أقر بحداثة قيادة السائق لمثل هذه الشاحنات لكنه قال: "إن أي سائق يأتي من بلده حديثا يكون متدربا على قيادة مثل تلك الناقلات" (الشرق 3/11/2012). وأتساءل، ماذا عن شاحنات الاسمنت؟ هل هي كانت تدريبه؟ ثم يقول بخصوص مواعيد دخول الشاحنة إن الشركة "حاصلة على "إذن من إمارة منطقة الرياض" بدخول سياراتها والتجول داخل مدينة الرياض". يبدو لي وقد طال المقال أن المسؤولية تطال عدداً من الجهات كالمرور والإمارة ووزارة النقل والدفاع المدني فضلاً عن العمل. وسأترك الحديث عن الحلول لمقال قادم. رحم الله الشهداء وشفى المصابين وألهم ذويهم الصبر والسلوان، آمين.