مازالت ظاهرة الافتراش في المشاعر المقدسة تشكّل عبئاً كبيراً على الخطط الحكومية الرامية إلى تقديم أفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة والمستمرة لمحاصرة هذه الظاهرة، والتقليل من تداعياتها، إلاّ أن الواقع يزداد سوءاً كل عام؛ نظراً لكثافة حجاج الداخل القادمين بصورة غير نظامية ولا يحملون تصاريحاً للحج، مما يوجب دراسة المشكلة المتكررة كل عام، والعمل على إيجاد حلول جذرية لها، ومن ذلك إمكانية عمل سياج حديدي يلف المشاعر المقدسة، ومداخل مكةالمكرمة، ومراقب بكاميرات "حرارية"، وبوابات اليكترونية للدخول؛ لمنع أي محاولات تهريب للحجاج، وسهولة متابعة القادمين إلى الحج، والتأكد من نظامية دخولهم، حتى لا يتسببوا في عرقلة أداء الآخرين لنسكهم وفريضتهم. جريمة بحق الطفولة الحجاج المفترشون من مختلف الجنسيات والأعمار بينهم أعداد كبيرة من الأطفال والرضع ممن لا حول لهم ولا قوة، حيث يعرض هؤلاء فلذات أكبادهم لخطر الأمراض وتلوث صدورهم بعوادم السيارات التي يرقدون تحت إطارتها، دون أدنى إحساس أنّ ما يفعلونه جريمة كبرى بحق أنفسهم وأطفالهم. وقد يفترش الحجاج غير النظاميين قمم الجبال غير عابئين بخطورة الأماكن التي ينامون فيها، وأنّها شديدة الانحدار بما يشكّل خطورة حقيقية على كل من حاول تسلق ذلك السفح، كما افترشت أعدادٌ كبيرة أرصفة الشوارع والطرقات، بل إنّ البعض افترش أسطح حاويات "النفايات"!!. ورغم المحاولات المستميتة لرجال الأمن منعهم من الافتراش في تلك الأماكن، إلاّ أنّ كثافة أعدادهم وعدم إصغائهم للتعليمات صعّب من إبعادهم ومنعهم من النوم وعرقلة حركة سير المركبات، وكذلك صفوف الحجاج المتنقلين بين المشاعر لإتمام مناسك حجهم. تحمل الصعاب وذكرت "مجموعة من الشباب" أنّهم جاءوا من الرياض ولا يحملون تصاريح حج، حيث يريدون استغلال فرصة عملهم داخل المملكة لأداء الركن الخامس، ولذلك تحملوا الصعاب من أجل الوقوف بعرفة. وبيّن "عبد الرحمن سعيد" - يرقد وعائلته على سفح أحد جبال "منى"- أنّه جاء بشكل نظامي وأنّ جميع أوراقه وتصاريحه نظامية، ولكنّه مجرد وصولهم إلى "عرفة" صدموا من ردة فعل مسؤول الحملة التي جاءوا معها، حيث قال لهم: إنّه غير مسؤول عنهم، متعذراً بالإزدحام ومشاكل توفير السكن في "منى" تحديداً، طالباً منهم أن يذهبوا ويوفروا سكناً بطريقتهم ويعودوا يوم التروية حتى ينهي إجراءات سفرهم، مبيناّ أنّه لم يحاول إفساد حجته التي تكبد عناءها حتى وصل إلى المشاعر المقدسة فاختار سفح الجبل مكاناً يمكث فيه حتى يقدر الله أمراً كان مفعولاً. الله خير حافظ..! وقال "إبراهيم آدم": "أنا اعمل في المملكة منذ أكثر من (20) عاماً بمدينة الطائف، وصراحةً أنا لا أحمل أي أوراق رسمية لي ولزوجتي وأطفالي، وعندما قررنا الحج فإننا لا نستطيع أخذ التصريحات النظامية، واستطاع أحد السائقين إدخالنا إلى مكة بشكل غير نظامي، ومنها انطلقت أنا وعائلتي لأداء الحج، ونفترش أكثر الأماكن أماناً، فنحن لا نفترش الطرقات العامة كما يفعل الكثير معرضين أنفسهم لخطر الدهس، فأنا حذر في انتقاء الأماكن، والله خير الحافظين، والآن اضطررت إلى الافتراش تحت حاوية النفايات لتحمينا من لهيب الشمس نهاراً وتسترنا ليلاً، وسوف أتعجل في ثاني أيام التشريق بعدها أعود إلى مقر إقامتي بالطائف". احساس الندم وأشار "محمد المري" إلى أنّه أتى ولا يحمل تصريح حج، مضيفاً: "قررت الحج في آخر لحظة واستطعت عبور نقطة التفتيش بالتحايل لأنني مضطر، بالإضافة إلى إنني أحج دون رفقه فتصورت أنّ ذلك سيجعل عملية الحج أسهل في التنقلات والاقامة في أي مكان، المهم أن أقف في عرفة بين يدى الرحمن، وأن أنال أجر الحاج، وأن أخرج من هذه البقاع كيوم ولدتني أمي، فأنا شاب ولا أخشى المشقة والتعب مع أنني في حقيقة الأمر شعرت بالندم الشديد على أنني لم أنضم مع حملة وأن أحج بصفة نظامية، فيكفي احساسي بالندم لأني خالفت النظام الذي ما وضع إلاّ لراحتنا". وأضاف "عبدالمنعم": "أتيت للحج مع عائلتي ولا نحمل تصاريح؛ مما اضطرنا إلى افتراش الرصيف، ونحن لم نكن نتوقع المصاعب والأهوال التي ممرنا بها في رحلة الحج هذه منذ قدومنا بعد وقوفنا في عرفات ومزدلفة، والآن نحن في منى، أنا اعترف انني غامرت بروحي وأرواح أسرتي التي بدأ على أفرادها الأعياء والإرهاق، فقد قضيت كثيراً من الوقت أراجع الوحدات الصحية، أعترف أنّي نادم على ما فعلت بحق أسرتي ونفسي، ولكن أرجو من الله أن يتقبل منا حجنا هذا ويغفر لنا تجاوزنا". الركن الخامس ولفتت "سارة عبد الله" - كانت تفترش وأسرتها أمام بوابه قطار المشاعر - إلى أنّهم ليسوا العائلة الوحيدة التي تفترش هذه المنطقة، حيث أنّ أعدادهم الكبيرة دفعت المسؤولين عن المحطة لإغلاق تلك البوابة التي افترش أمامها أكثر من (300) شخص، مضيفةً "نحن حججنا كما حج عشرات العائلات من منطقتي عن طريق التهريب، ووصلنا إلى الأرض الطاهرة التي ما لبثنا إن أجهشنا بالبكاء لرؤيتها؛ مما أنسانا ما تعرضنا له من تعب ومشقة كدنا أن نفقد أرواحنا في أكثر من موضع، ورغم ذلك فلذة الطاعة والعبادة تفوقت كل إحساس بالأعياء والتعب، ولست نادمة أبداً، فلو لم أفعل ذلك وآتى بطريقة غير نظامية لما حججت أبداً؛ لأنّ نفقات الحج لن تتوفر لدينا فنحن فقراء جداً، ولكن إكمال الركن الخامس كان هاجسي الأول والأخير، وبعد إتمامه الآن بفضل الله ومنته سوف أعيش ما تبقى لي من عمر هادئة النفس مستقرة". تتنوع جنسيات الحجاج المخالفين للأنظمة الافتراش أمام مدخل قطار المشاعر جعل الإدارة تغلق البوابة حجاج افترشوا فوق حاويات النفايات حاج جعل من حاوية النفايات مهجعاً لعائلته حجاج جاءوا بأطفالهم وأهليهم وكبدوهم المتاعب مفترشون أغلقوا الطريق أمام المشاة