جلست أسترجع ذكريات أعياد الأضاحي في ماضي حياتنا حين كانت الموارد المالية محدودة، ولكن كانت النفوس المسلمة بالخير مملوءة، وبالصدق الإيماني عامرة، ولمقاصد الشريعة متبعة. في أيام طفولتي كان أهل بلدتي، وأمثالهم من أهل القرى والمدن في المملكة يعدون العدة لفرحة شراء الأضاحي قبل موعدها ويحسنون تغذيتها وتجهيزها في يوم عيد الأضحي.. كان البعض يضحي بواحدة من الغنم أو أكثر، والبعض يضحي ببقرة أو بعير.. إذ البقرة والبعير عن سبع أضحيات. يسوؤني ما أسمعه من بعض الناس عن أنه كل عام يضحى بعدد كبير، يذكر ذلك متباهياً متفاخراً، ولو أخذ هذا المتباهي في الحسبان المصلحة العامة للمسلمين المحتاجين حوله لوجد من يستحقون العون المالي أكثر من العون بتقديم اللحوم لهم مهما كانت حاجتهم.. وكانت معظم الأوقاف من المزارع أو البيوت تنفق على شراء الأضاحي حسب وصية صاحب الوقف. لقد عرفت أناساً في ذلك الزمن لا يأكلون اللحم إلاّ في مناسبة عيد الأضحى لقلة ما يملكون، وكنا نقدده شرائح مملحة ونجففها لنحتفظ بها زمناً ونسميها (قفر). وينتهي شهر ذي الحجة وجزء من المحرم والجزارون في بلدتنا في شبه عطلة بحكم اكتفاء الناس بما عندهم من بقايا لحوم الأضاحي، وغالبية المضحين يعملون بحسب السنة المقررة ثلث لأهل الأضحية، وثلث هدية، وثلث للفقراء. في ذلك الزمن مهما كثرت الأضاحي فقد كانت هناك حاجة ملحة لها، أما اليوم فإن إعادة النظر إلى تعدد الأضاحي في البيت الواحد تستحق التأمل، ولقد أفادني أحد الفقهاء قائلاً: إن الأضحية هي للحي، وليست للميت، وأنه بالإمكان أن يشرك الحي من يشاء من الناس في أضحيته. واستفسرتُ من شيخنا العالم هذا فيما إذا كانت هناك وصية من ميت بأكثر من أضحية؟ فقال لي: الأفضل واحدة، تشرك فيها هذا الميت معك في القصد، وبقية الوصية تنفقه مالاً للفقراء.. فأخذت بفتواه لوجاهتها عندي. والمصلحة في وقتنا الحالي تقتضي مثل ذلك؛ فقد تغيرت الأحوال وتبدلت الظروف، ولم يعد لوجبات اللحوم المتوالية نفع أكبر بل ولا حاجة ماسة لها. ويرى كثير من الناس وأنا أحدهم أننا في وقت يجب أن نحافظ على الثروة الحيوانية، ونقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن. وبمعرفتنا للمقاصد الشرعية يتبين لنا ضرورة مراعاة ظروف المكان والزمان وتقديم الخير حسب هذه الظروف. ويسوؤني ما أسمعه من بعض الناس عن أنه كل عام يضحى بعدد كبير، يذكر ذلك متباهياً متفاخراً، ولو أخذ هذا المتباهي في الحسبان المصلحة العامة للمسلمين المحتاجين حوله لوجد من يستحقون العون المالي أكثر من العون بتقديم اللحوم لهم مهما كانت حاجتهم. صلى الله وسلم على نبينا إبراهيم الذي نحن الآن نضحي ونذبح ما نفدي به أنفسنا وأهلينا من الذبح الحقيقي الذي كان يمكن أن ننفذه لو قام بفعله أبو الأنبياء مع ابنه إسماعيل، إنها إرادة الله ورحمته بخلقه أن جعل الفداء لإسماعيل سنة لكل الأنبياء ولأهليهم (وفديناه بذبح عظيم)، وبهذا الفداء اعتمر الكون وعاش الناس. لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الخير والنعمة كلها بيديك. عيدكم أيها المسلمون في كل مكان مبارك، ودعاء أن يحفظ الله بلادنا من كل شر، وأن يتقبل منا صالح الأعمال. وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأَمِِدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.