تعجبت كثيراً من إجابة إحدى الزميلات، والتي كنت في زيارة لها، فصادف ان رأيت ابنها ذا الثلاثة أعوام، ولكني صعقت لمنظره الذي بدا عليه، حيث كان على وجهه كدمة زرقاء تحت العين، وأثر خدش أظافر على جبينه، وجرح صغير على ذقنه!! وعلى الفور حمّدت لزميلتي على سلامة طفلها الصغير ظناً مني بأنه قد تعرض لحادث سير أو ما شابه، ولكن زميلتي أخبرتني بأن هذه نتائج أفعال أخيه الأكبر، الذي يضربه بين حين وآخر كنوع من التنفيس عن غيرته المفرطة منه!! قلت لها: وهل يعني هذا أنها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها بهذا العمل الوحشي؟! فأجابتني: بل نحن على هذه الحال منذ ان جاء أخوه الصغير إلى هذه الدنيا. قلت لها: ولم تُجد معه كل أساليب النهي والعقاب والتهديد أي نفع؟! أجابتني بكل برود: بالعكس.. فأنا لا أنهاه ولا أعاقبه ، وذلك لأن زوجي قد أمرني بأن لا أفعل! وقد نزلت علي الإجابة كالصاعقة فاسكتتني وحيرتني وبهت لها لبرهة من الوقت قبل ان أعيد عليها جوابها تأكيداً عليها، فقلت: زوجك هو من أمرك ان لا تنهي ابنك ولا تعاقبيه على مثل هذه السلوكيات، فتتركينه يضرب أخاه الصغير كما يحلو له دون عقاب؟! فأجابتني زميلتي: وهي تحاول ان تضع الدواء على تلك الكدمات والجروح التي على وجه ابنها الصغير: صدقيني أنا نفسي لست مقتنعة بكلام زوجي، ولكنه دائماً ما يؤكد ان هذه الطريقة هي أفضل طريقة ينفس فيها الاخوة عن بعضهم البعض، حتى لا يبقى في نفوسهم شيء من الغيرة أو التحاسد والشحناء تبقى معهم حتى الكبر !!.. قلت لها على الفور: ومع احترامي الشديد لزوجك، ولكن من أين اكتسب هذه الطريقة التربوية البديعة؟! قالت زميلتي: زوجي يقول بأن هذه الطريقة هي خلاصة خبرة وتجارب والدته المعمّرة، والتي ربت تسعة أبناء على مدى أكثر من سبعين عاماً، ولكنها وجدت ان هذه الطريقة ( بحيث يتخالص الأطفال فيما بينهم دون تدخل منها ) هي أفضل من كبت المشاعر والعواطف والغيرة في نفوسهم والتي لابد لها من التفجر في يوم ما.. وعندما وصلت زميلتي إلى هذه النقطة، سكت والتزمت الصمت، لأن سيلاً من الأفكار والتساؤلات كان يدور في رأسي. وكان من تلك التساؤلات: هل الخبرات (التربوية) التي نتوارثها عن آبائنا وأمهاتنا، هي مسلّمات لابد من قبولها، دون عرضها على عقل عالم مختص، أو حتى على منطق عاقل منصف؟! وسألت نفسي وقتها: حتى متى يظل كثير من الآباء والمربين على اعتقادهم الخاطئ بأن الزمن واقف لا يتحرك فتجدهم ما يزالون يمارسون طرقاً تربوية قد عفا عليها الزمن دون ان يراعوا تغيرات الزمن واختلاف العصر وتباين الثقافة ؟! أليسوا يرون بأن اطفال هذا اليوم هم غير أطفال الأمس في ثقافتهم وعلمهم وذكائهم وعواطفهم بمراحل شاسعة !!.. ولكن الحقيقة انه لا يزال في المجتمع من يقدس الموروثات أياً كانت دون تفريق بين الغث والسمين وبين الصالح والطالح ودون تفريق بين الموروث الإسلامي المقدس والعادات العربية الكريمة وبين الموروثات التي لا تستند إلى دين أو عقل أو عدل أو خلق..!!وعلى دروب الخير نلتقي ..