في مقالي يوم السبت الفائت والذي عنونته ب "أزمة فكر وأخلاق لا أزمة ميول وتشجيع" حذرت من مغبة التهاون مع من يحتفون بخسائر الأندية السعودية في استحقاقاتهم الخارجية التي يمثلون فيها الكرة السعودية، خصوصاً وقد تعددت صور تلك الحفاوة حتى بدت وكأنها حفاوة بمناسبات وطنية، لا بخسارة لممثلين للوطن في استحقاقات دولية، وقلت بأنها إن دلت على شيء فإنما تدل على مأزومية الفكر والأخلاق لدى من باتوا يمتهنون هذا التعاطي السخيف والخطير في آن. قلت أيضاً: إن الأمر ربما يمكن تجاوزه لو أنه اقتصر على المشجعين المتطرفين الذين أخذ منهم التطرف كل مأخذ، لكن ما لا يمكن تجاوزه، ولا السكوت عليه حين يقوم بهذه الممارسة الخطيرة من بيدهم تشكيل الرأي العام، وقيادة الوسط الرياضي، وحددت من يحملون صفة الإعلامي ورئيس النادي وعضو الشرف واللاعب الدولي وسقت هذه الصفات الاعتبارية لمعرفتي بأسماء تحمل هذه الصفات مارست ومازالت تمارس مثل هذا التعاطي الشنيع. رأيي لم يعجب المأزومين من جهة كما لم يعجب المتفذلكين من جهة أخرى، أما المأزومين فكرياً وأخلاقياً فلم يعجبهم لأنهم - ببساطة - معنيون بالأمر مباشرة، أما المتفذلكون فلأنهم يعيشون مأزومية أخرى، وهي أنهم كانوا ومازالوا معزولين في جزيرة أوهامهم، ومحبوسين في سجن تنظيراتهم التي لا تلامس الواقع من قريب أو بعيد حتى بات الوسط الرياضي على قناعة بأنهم لا يملكون من بضاعة غير الهذر "والبربرة"، ولا يسوّقون إلا الأكاذيب التي يروّجون لها عبر مفرداتهم الخشبية ومصطلحاتهم المحنطة. أحد المسوقين للوهم والمروجين للأكاذيب حمل علي بشدة لأنني أرى أن التشجيع ضد الأندية السعودية لصالح الأندية الأجنبية، والحفاوة بإخفاقاتهم والاحتفال بخسائرهم دلالة على مأزومية الفكر والأخلاق، إذ رأى غير خجل ولا وجل أن ذلك أمر طبيعي مستجلباً نماذج سيئة في التشجيع من خارج الحدود، كحفاوة "الكتالونيين" بسقوط "المدريديين" خارجياً، ولم يقل ان "الكتالونيين" يدعون للانفصال عن اسبانيا، إذ الأمر يتجاوز عندهم البعد الرياضي إلى البعد السياسي، ولم يقل كذلك ان في تلك المدرجات ومثيلاتها خارجياً يحدث أنماط عديدة من الانحطاط الأخلاقي، فهل نعتبرها نموذجاً حسناً يجوز لنا استجلابه؟! المضحك في الأمر أن ذلك المأزوم في زنزانة نرجسيته وقع في حفرة تنظيراته حينما أراد أن يلوي عنق رؤيتي بالقوة لتنسجم مع تضليله وتتوافق مع أكاذيبه حين ساوى بين تشجيع ناد أجنبي ضد ناد سعودي في بطولة آسيا، بتشجيع الاتحاد ضد الأهلي أو العكس حين يلتقيان في ذات البطولة، معتبراً ذلك خيار خاص وحرية شخصية، حيث المقارنة فجة، والمقاربة فاضحة، إذ الخيار في أمر الاتحاد والأهلي سعودي في نهاية المطاف، ولا طرف أجنبيا بينهما، لكنها الحماقة قاتلها الله. إيماني بأن ثمة فرقا بين من يبني رؤاه على حقائق دامغة ووقائع على الأرض، وبين من يبنيها على تنظيرات عبثية، وفلسفة جوفاء يجعلني أحيل هذا المأزوم نفسياً إلى ذلك المشجع الذي أعلن مع سقوط الهلال أمام أولسان الكوري، وفشله في الاستحقاق الآسيوي أنه سينحر حاشياً، وسيدعو له أقرانه من المأزومين فكرياً وأخلاقياً، لعله يشاركهم الدعوة، ويعيش معهم الاحتفالية؛ إذ يبدو واضحاً أن فكر الحواشي واحد، وإن تعددت أنماطه!