الوقوف ضد أندية الوطن في استحقاقاتها الخارجية، لاسيما من جهة بعض الجماهير ليست وليدة اليوم، فهي موجودة منذ سنين، بيد أنها بدت تأخذ طابع العلنية والمجاهرة بها في الآونة الأخيرة، ولعل مباراة الهلال والغرافة الأخيرة في ذهاب الدور ربع النهائي لدوري أبطال آسيا التي استضافها ستاد الملك فهد كشفت جانبا من هذا الواقع، وهو ما ينبئ بخطورة الأمر، لاسيما وأن في ذلك تحد صارخ للذوق العام، واستفزاز مقيت للمشاعر الوطنية، خصوصاً أن حالة تلاحم شديدة بدت لافتة بين أندية الوطن وممثليه الهلال والشباب في الاستحقاق القاري الكبير. الزياني: الروح العدائية سبب ظهورها.. والوعي سلاحنا لمحاربتها وكانت (دنيا الرياضة) قد فتحت ملف القضية المسكوت عنها في الأيام الماضية، وهو ما أحدث ردود فعل على غير صعيد، سواء أكانت رسمية أو جماهيرية، إذ أبدى كثيرون تفاعلهم مع القضية، مشددين على حتمية محاربة هذه النوع من التعاطي المرفوض حتى لا يتحول إلى ظاهرة تستبيح المدرجات، في الوقت الذي خرجت فيها أصوات مبررة لهذا الفعل بحجة الحرية الشخصية، وهو ما جعلنا نعيد تسليط الضوء على القضية، عبر طرح سؤال جلي ومباشر على عدد من الشخصيات الرياضية، وهو هل التشجيع ضد أندية الوطن عمل مرفوض أم حرية شخصية؟. أسبابها عدائية يرى نائب رئيس نادي الاتفاق وعميد المدربين السعوديين خليل الزياني أن التشجيع ضد أندية الوطن ظاهرة ليست محلية بل عالمية ، مشيرا إلى أنها تتواجد أكثر في مناطق الاحتقان الرياضي الذي يصل إلى حد العدائية. وقال: "صحيح أنها ظاهرة عالمية؛ لكن لا يعني قبولها والتسليم لها، فإذا كانت منتشرة بين المتعبين والغوغاء، فيجب على العقلاء والمتنورين محاربتها، وعدم الركون لها كأمر واقع". علوان: ظاهرة مقيتة ويجب أن نتبرأ من ممارسيها بشكل علني وأضاف: "شخصيا لمست هذه الظاهرة، منذ وقت مبكر ففي عام 1978 كنت في مدينة ليفربول في بريطانيا، وكنت أقيم في الفندق ذاته الذي يقيم فيه نادي ليفربول مع صديق انجليزي، وكان النادي سيلعب مباراة مع فريق الأرسنال، وكان يتحدث لي عن أن جماهير ايفرتون الذي يقتسم مع ليفربول المدينة، سيساندون الأرسنال القادم من العاصمة لندن، وكيف أن حالة العدائية بين جماهير النادي تصل إلى ما هو أبعد من ذلك". ويؤكد الزياني ان لغة كرة القدم بما فيها ثنائية الحب والكراهية لغة عالمية، مشددا على ضرورة عدم الركون لهذا الواقع، إذ "يجب التصدي لحالة الكراهية بنبذ التعصب وتغذية الجماهير بالواعي". ويضيف: "إذا سلمنا بان التشجيع ضد النادي المنافس داخليا مقبول؛ لكنه حتما مرفوض حينما يكون النادي المحلي يمثل الوطن في استحقاق خارجي، ويزيد الرفض حينما تصل الأمور لحد الاستفزاز كأن تحمل جماهير النادي المحلي المنافس أعلام النادي غير السعودي، لكنه لو جلس متفرجا، وإن تمنى خسارة الفريق من دون ممارسة أي نوع من أنواع الاستفزاز فذاك شأنه، رغم تشديدي على ضرورة أن نعمل جميعا كل في موقعه على معالجة هذه الظاهرة بتعزيز التشجيع الواعي لدى جماهير أنديتنا". التبرؤ واجب ويستغرب رئيس نادي الاتحاد المهندس إبراهيم علوان من وجود فئة تقوم بمثل هذه الممارسة المرفوض في ظل تنامي حالة الوعي الرياضي، مطالبا كل الرياضيين بنبذ هذا التصرف بشكل علني. وقال: "لاحظت في الآونة الأخيرة وقفة قوية من قبل الاندية السعودية، مع ممثلي الوطن، وشخصيا أوفدت عضو شرف اتحاديا، ومسؤولا في رابطة النادي للوقوف مع الهلال في مباراته الأخيرة مع الغرافة، وسنفعل ذلك مع الشباب، وذلك من أجل ان نبعث رسالة صادقة بأننا مع أندية الوطن في استحقاقاتها الخارجية؛ لأنها لا تمثل نفسها فيها بل تمثلنا جميعا". النويصر: التعصب والمناكفات الإعلامية سبب ظهور هذه النماذج الشاذة وأضاف: "خروج فئة من هنا او هناك لا يجب ان تعكر أجواءنا الصافية، ويجب أن نفتخر بشبابنا، حيث لمسنا وجود وعي حقيقي في مباراة الهلال الأخيرة حيث تلاحمت كل الأندية مع الهلال، وهذا ما يجب تكراره مع كل أندية الوطن". ويرى علوان التشجيع ضد أندية الوطن خروجا عن الذوق العام، داعيا الجماهير السعودية إلى التزام الروح الوطنية في تشجيعها، بعيدا عن شحن المدرجات بالعدوانية. وحول الموقف الذي يمكن ان يتخذه لو قامت بعض الجماهير الاتحادية بالتشجيع ضد ناد سعودي آخر في استحقاق خارجي، قال: "قبل كل شيء أنا على ثقة بأن مثل هذا التصرف لا يمكن حدوثه من جماهير الاتحاد الواعية، ولو حدث ذلك من فئة، فلن نتأخر في إدانتها والتبرؤ منها؛ لأننا مؤمنون بأن أندية الوطن لا تمثل نفسها خارجيا بل تمثلنا جميعا". وأضاف: "جماهير الاتحاد على مستوى من الوعي بالقيم الوطنية والروح الرياضية، وأنا على ثقة بأنها ستقف إلى جانب الأهلي في تمثيله الخارجي رغم حدة التنافس بينه وبين الاتحاد محليا". الشواذ لا يقاس عليهم ويرى عضو الاتحاد السعودي لكرة القدم والمدير التنفيذي لهيئة دوري المحترفين محمد النويصر أن الأصل لدى جماهير الأندية السعودية هو مساندتها للمثلي الوطن، والاستثناء هو الوقوف ضدها، مشيرا بذلك إلى حالة التكاتف التي شهدتها الأندية السعودية في الموسمين الماضي والحالي. وقال :"من يوسع دائرة النظر يجد أن ثمة حالة تنام واضحة في الوعي لدى الجماهير السعودية، بدليل ما شهدناه مؤخرا حيث شاهدنا وقفة صادقة ومؤازرة فاعلة لكل ممثلي الوطن، سواء من قبل إدارات الأندية، او من خلال بعض المواقع والصحف الإلكترونية حيث دشنت حملات تدعو إلى مؤازرة الأندية السعودية في استحقاقاتها الخارجية، وكذلك دعوات أخرى لنبذ التعصب، وفي ذلك نقلة نوعية في الفكر التشيجعي للأندية". وأضاف: "في السنوات الماضية كانت جماهير الأندية المصرية مضرب مثل في تكاتفها على الصعيد الخارجي، رغم حدة الصراع في التشجيع المحلي، واعتقد أن هذا النوع من التشجيع الإيجابي بدأ يتسرب للجماهير السعودية". وأكد النويصر أن وجود فئة مازالت لا تدرك قيمة المنافسة الرياضية وضوابطها أمر طبيعي، باعتبار الأمر تفاعلات شخصية بين الجماهير بعضها ببعض، داعيا إلى عدم تجريم من يقومون بهذا الأمر أو التشكيك في وطنيتهم. وقال :"لاشك التشجيع ضد ممثلي الوطن تصرف مرفوض، ونحن نلاحظه موجود حتى مع المنتخب السعودي لمجرد مواقف شخصية؛ لكنها تظل حالات شاذة بسبب ترسبات ذهنية قديمة، أو رد فعل لعمل سابق، أو نتيجة للمماحكات والمناكفات الجماهيرية والإعلامية، إذ يعتقد بعضهم أن انتصار النادي المنافس سيكون موجها ضده، غير ان ذلك كله ينبع من دوافع نفسية، وليست فعلية". ويحمل النويصر المسؤولية لبعض الجهات الإعلامية التي تسعى في تغذية هذه النوازع لدى الجماهير، داعيا إلى ضرورة إيقاف حالات التشابك الإعلامية التي تؤدي إلى تأجيج مشاعر الجماهير. وأضاف: "للأسف الشديد بعض الجهات الإعلامية - صحفا كانت أو قنوات فضائية - مازالت تفتح الباب على مصراعيه لبعض المتعصبين من الإعلاميين لقيادة الرأي العام بحجة الحرية الشخصية، رغم ما في ذلك من تحريك للضغائن، وتفخيخ للمشاعر، وعليه فينبغي الوعي بقيمة الرسالة الإعلامية، بفتح الباب لمن يقدرون المسؤولية في قيادة الرأي العام، وغلقه في وجه المتطرفين في آرائهم".