كان اللقاء الصحافي الأحدث مع الرئيس السوري بشار الأسد غير مفاجئ. لأنه استطاع أن يكرر كلامه من دون أن يشعر بالملل، يضع كل مشاكله هو ونظامه على الخليج وعلى السعودية تحديداً. يحاول أن يخرج بالموضوع عن سياقه وأن يجعل الثورة حالة سياسية. بينما الثورة غضبة شعبية مشروعة من الشعب السوري المقموع والمسحوق على مدى خمسين عاماً. يتحدث عن السعودية على أنها دولة عدوة لسورية، مع أن السعودية صديقة الشعب السوري، وفرق بين النظام وبين الشعب. والمملكة وقفت مع كل القضايا الإنسانية في البوسنة والهرسك وكوسوفو وأفغانستان والحرب الأهلية بلبنان، وقفت مع الإنسان بغض النظر عن أي نظامٍ أو أي قوة. الفرق بين السعودية والنظام السوري هو فرق بين دولة متماسكة ذات شرعية اجتماعية وليست كالنظام السوري الميليشيوي الذي يقود الحروب ضد شعبه. لم يقم النظام السوري بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، هذا النظام الذي يدّعي الممانعة والصمود والقوة بوجه العدو الإسرائيلي. بل على العكس قام بمجازر قتل فيها عشرات الآلاف، وهو يعيد الآن في حماة وحلب وحمص ودمشق نفس المجازر وأبشع. أكثر من ثلاثين ألف قتيل في الثورة السورية بقوات نظام الأسد ثم يأتي يتحدث عن إرهابيين يحاربهم ويريد القضاء عليهم وأن المعركة في نهايتها. النظام السوري حاول أن يستثمر اللغط حول الفيلم المسيء لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه المحاولة واضحة ومكشوفة، وقد أدركها الثوار حين رفعوا اللافتات التي تحذر من الوقوع في فخ نسيان الحدث السوري كما يتمنى النظام ويريد. غفل الناس في العالم عن الحدث السوري بسبب الأحداث التي وقعت خلال الأيام الماضية منذ مقتل السفير الأميركي وإلى اليوم حيث الاحتجاجات والأصوات المنددة بالفيلم المسيء، ومع فداحة الخطب في الفيلم المسيء، فعلينا وعلى الإعلام أن لا ينسى الأفلام البعثية المسيئة التي يخرجها وينتجها كل يوم في سورية، قتل أطفال وعجائز ومسنين وشباب، وكل هذا الخراب بإخراج وإنتاج النظام السوري. المعركة قوية وحامية بين النظام السوري والمجتمع الدولي الإنساني. هناك قوى دولية غير إنسانية قامت بفرض الفيتو مثل الصين وروسيا وإيران، إذ يأتي الإنسان عندهم في مرتبة ثالثة أو ربما عاشرة. المصالح لديهم أهم والسياسة أقوى من الأخلاق عندهم. المجتمع الدولي الإنساني أمام كارثة فيتو الصين وروسيا ليس أمامه سوى دراسة مقترح "هولاند" الرئيس الفرنسي، والذي طالب بإعادة النظر في نظام الفيتو في مجلس الأمن، وهي دعوة محقة، والنظام في الأممالمتحدة وتحديداً مجلس الأمن قابل للتطوير والتغيير، ومجلس الأمن أوجد أصلاً لحماية الإنسانية من الحروب طبقاً للدروس المستفادة من الحربين العالميتين. وإذا كان هناك نظام يدعم الحرب أو لا يجعلها صعبة أو ممتنعة فلابد من تغييره. النظام السوري اطمأن إلى الدعم الإيراني والروسي والصيني وأصبح قرير العين، لكنه أمان مؤقت لأن الناس حين خرجوا من بيوتهم لم تكن فكرة العودة إليها في أذهانهم. صحيح أن الثورة السورية دخلت فيها حالة من حربٍ أهلية أو من وجود عناصر متشددة لكنها ليست المركز بل الهامش. العالم عليه مسؤولية حفظ الدماء السورية وأن يكون الحدث السوري الدرس الأول لتغيير بعض الأنظمة التي عفا عليها الزمن في الأممالمتحدة أو مجلس الأمن. الخيارات أمام النظام السوري محدودة جداً، الشيء الوحيد الذي يستطيع النظام أن يفعله هو القتل، وهذا ليس إنجازاً بل هو انتحار، والأيام القادمة ستثبت أن النجاة من دماء الناس ليست ممكنة، وله في الرئيس الصربي وغيره أكبر دليل وأوضح مثال..