كان هذا واحدا من الأسئلة الملحة منذ بداية الأزمة السورية، وبعد أن برزت روسيا كمدافع عنيد عن نظام الأسد، وبقائه ضد أي تهديد باستخدام القوة لإزالة هذا النظام .. استخدمت روسيا الفيتو أكثر من مرة لحماية النظام من قرارات عقابية في مجلس الأمن، وهي لا تزال تصر على ذلك حتى الآن كما تشير التصريحات الأخيرة لخارجيتها. كان الرهان في البداية أن الدول العربية والتي تعنى بالدماء السورية النازفة قادرة على التأثير على روسيا، وتغيير سياساتها من نفس باب المصالح الذي تتعامل به روسيا مع الثورة السورية .. لكن الحقيقة أن التمسك الروسي بالأسد لا يقف فقط عند صفقات السلاح التي بيعت للأسد ليقتل بها شعبه، أو القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس، فلدى روسيا ما هو أبعد من ذلك، وهو مالم ينتبه له الكثير من المحللين في مشروع بوتين الذي تقدم به للفوز بثقة حزبه وشعبه بانتخابات الرئاسة الروسية. مشروع (أوراسيا الجديدة ) يقوم على بناء كيان أكبر من الاتحاد السوفيتي السابق ولكن من دون الأيديولوجية الشيوعية التي كان يحملها المشروع القديم، وهذا الطرح الروسي يجعل من قرارات إثبات النفوذ في المنطقة، والنزاع على الهيمنة فيها واحدة من أهم الأسباب الروسية لعدم التخلي عن حليف قديم كنظام الأسد، والظهور بمظهر الخاضع للموقف الغربي. روسيا التي استقبلت عدة مرات عنان واستقبالها المفاجئ لوفد المجلس الوطني السوري مازالت تعاني من عدم المصداقية والمراوغة والدعم العلني لنظام الأسد ستنطبق مجددا على نفس المفهوم عندما تستقبل كوفي عنان كمناورة لن تقدم فيها له أي جديد، و يبدو الحديث عن وقف الأسلحة الروسية لدمشق نوعا من التكتيك الدبلوماسي لتخفيف الضغوط عليها بعد أن ارتفعت وتيرة المجازر في سورية، وكذلك تركيز الثوار في جمعة ( روسيا تقتلنا ) على الشراكة الروسية في الجريمة من خلال تقديم السلاح والدعم السياسي للأسد. روسيا لا تريد بعد خسارة القذافي أن تبدو مرة أخرى بموقف المتفرج على ما يجري في المنطقة دون أن تكون لاعبا مؤثرا.. ولكن المرجح أن روسيا ستصل إلى حالة قريبة تضطر فيها إلى خسارة الأسد الذي تبدو آماله بالبقاء أوالنجاح بقمع الثورة معدومة .. ولكنها في النهاية لن تخسر الأسد فقط، بل العالم .. على الطرف الآخر فإن تزايد الانشقاقات في صفوف الأسد عسكريا وسياسيا وخسارته للسيطرة على الأرض في كثير من المناطق السورية، وتغير المعادلة العسكرية سيجبر الغرب الخائف من تحول الترسانة العسكرية في سورية إلى خطر على إسرائيل بعد أن يفقدها الأسد، وتقع بيد الثورة على تدخل من نوع ما.. قد لا ينتظر إذنا روسيا كما حصل في الحالة البوسنوية .. وهو ما سيجبر روسيا على تقدير جديد للموقف .. أو القبول بالهزيمة والتخلي عن الأسد ..بفعل سقوطه شعبيا .. كلنا نتذكر التعليقات السياسية الكثيرة التي قدمتها روسيا قبيل محاكمة مجرم الحرب الصربي رادوفان كراديتش أمام المحكمة الجنائية الدولية .. لكنها في النهاية لم تملك لحليفها إلا هذا الصراخ .. ربما سيتكرر المشهد نفسه أثناء سقوط الأسد الذي بات قاب قوسين أو أدنى.