العمل الإبداعي أيا كان فنه الأدبي، لا يمكن أن يتبادر إلى ذهنية القارئ تساوي عملين إبداعيين شعرا او سردا في ذات القيمة الإبداعية والمستوى الفني.. الأمر الذي يتأكد بداهة في قراءة الناقد.. إلا ان منح الجائزة الإبداعية مناصفة" يظل امرا مثيرا للجدل.. ودافعا للاختلاف حول منح الجائزة وربما الانتقاص من قيمتها عند عامة مترقبيها، إضافة إلى ما يوجه من طعون في جهود الفاحصين المانحين لها.. عطفا على ما يفترضه العمل الأدبي شعرا أو سردا من تباين لدى المتلقي شكلا ومضمونا.. لتظل "المناصفة" مثار تساؤل.. وموضع شك.. ومنطلق رفض لدى شريحة من المثقفين.. إلا أن المعايير العلمية التي يضعها المتخصصون في لجان الجوائز وهيتئاتها التحكيمية وأمانتها تظل في عدد من الجوائز أشبه بمشاهدة جبل جليدي، إذا ما افترض أهل الاختصاص تطبيق المعيارية بشكلها الدقيق، ومتى ما أدرك المرشحون حقيقة ما يمتلكه الفاحصون من أدوات علمية وضعت على أيدي أصحاب تخصصات دقيقة في مجالات الفنون الإبداعية وأجناسها الأدبية.. إلا أن هذه التصورات المتعارف عليها تتلاشى عند إعلان الجائزة مناصفة.. لتبدأ موجة من الأسئلة التي تكيل الاتهامات للجان التحكيم.. وتنتقص من جهودهم العلمية في تطبيق معيارية الحكم.. وتقلل من حياديتهم حينا.. ومن مصداقية الجائزة حينا آخر. د. محمد الربيع: المناصفة تدل على التساوي.. والحيادية يقول الناقد والكاتب الدكتور محمد الربيع: بداية فالجوائز يتم التوصل للمستحق لها عن طريق التحكيم، الذي يشترك فيه أساتذة وعلماء متخصصون في مجال الجائزة، حيث يسيرون وفق قواعد علمية بعضها متفق عليه في كل الجوائز بشكل عام، وبعضها الآخر تكون هيئة أمانة الجائزة أو الجهة المنشئة للجائزة، قد وضعتها لخصوصية معينة على سبيل المثال، وهذا الأسلوب هو المتبع عامة، والذي يسعى إلى حيادية تامة بحيث لا يكون هناك مؤثرات خارجية أو شخصية على لجان الفحص والتحكيم.. ومن هنا فالنتائج مع وجود التنظيم والأحكام المنظمة، ستكون بشكل عام جيدة ومقبولة، وقد يختلف مع ذلك الناس عند صدورها لكن الاختلاف في أي رأيي سيكون في أضيق نطاق إذا كانت اللجان التحكيمية والفحص وهيئة الجائزة قد اتبعت المنهاج العلمية الدقيقة في التحكيم. د. سحمي الهاجري وقال د.الربيع: هنا نأتي إلى قضية الاشتراك في الجائزة ، فإذا فرضنا أن من تقدم للجائزة سواء كانت جوائز تستهدف أشخاصاً متقدمين لها، أو كانت جائزة لموضوع أو مؤلف أو فن معين أيا كان مجاله.. نجد أن الأمر يتم – أيضا- عبر معايير دقيقة وسلم علمي من درجات فحص العمل وتحكيمه، إلا أن اللجان قد تفاجأ مع ذلك بتساوي أكثر من شخص في نتائج التحكيم، وهنا إما أن تبحث اللجنة عن وسيلة لتقديم مرجح جانب على آخر وهنا تحسم المسألة بعدم منح الجائزة مناصفة، وإما ألا تجد فروقا واضحة في المقدر بين العملين، الأمر الذي يجعل من نتائج العملين متقاربين إلى حد التساوي، أو إلى درجة الفروق البسيطة جدا، وهنا نجد أن اللجان تتجه إلى التشارك في الجائزة. د. الهاجري: الهدف الجوهري متحقق في كلا الحالين كما وصف د. الربيع من جانب آخر، بأن الاشتراك مناصفة في نيل جائزة ما لا يقلل من قيمة تلك الجائزة، مؤكدا في الوقت ذاته أن القيمة "المعنوية" هي الأهم سواء فاز بها عمل أو اشترك فيها عملان، مختتما حديثه بالوقوف عند الجانب الآخر من المناصفة في الجائزة والذي يتعلق بالاشتراك في الحصول مناصفة على الجائزة من حيث النظر إلى اشتراكهما في القيمة "المادية" التي يشير د. الربيع بأنها مسألة محسومة بالنظر إلى تقاسم الجائزة ماديا.. إلا أن القيمة المعنوية تظل الأسمى والهدف الأكبر للجائزة.. معتبر المناصفة في الوقت نفسه بأن مما يدل على حيادية ودقة اللجان المحكمة للجائزة د. محمد الصفراني وعن التأكيد على قيمة الجائزة "معنويا" أكثر منها "ماديا" وصف الناقد والكاتب الدكتور سحمي الهاجري، بأن البعد المعنوي هو روح الجائزة وجوهرها، واصفا أن الجانب المعنوي يمثل المقام الأول والهدف المركز لأي جائزة من الجوائز، مشيرا إلى أن لجان التحكيم تحاول كما جرت عليه عادة تحكيم الجوائز بالمفاضلة بين الأعمال المقدمة للجائزة، أكثر من مسألة مفاضلة الأعمال المتقدمة بأعمال أخرى لم تتقدم للجائزة. د. الصفراني: سؤالها محير.. وهناك مأزق المجاملة وقال د. الهاجري: مثار الجدل عند عامة المعترضين على المناصفة في منح الجوائز، بأن مرده عم الأخذ بمفاضلة لجان التحكيم بين الأعمال المقدمة بين أيديها، مع تحييد أعمال ليست ضمن هذه الأعمال المفحوصة، مما يجعلهم يسقطون أعمال أخرى على ما بين أيدي لجان التحكيم مما يجعلنا أمام معايير "خارجية" لا صلة لها بما تقوم به اللجان المحكمة.. أما الأمر الآخر، فالمناصفة تأتي نتيجة لوجود عملين تساوت نقاطهما لدى لجان التحكيم، التي تضع معايير كثيرة تخفى على شريحة من رافضي المناصفة، إذ كون العملان يتساويان رغم كثرة النقاط المعيارية للجائزة فهذا ما يجعل الاشتراك في الجائزة أمرا حياديا في منح العملين الجائزة، مع أن هذا أمر ليس بالشائع في منح الجوائز بشكل عام، إلا أن المناصفة – أيضا – تمنح العملين الهدف الجوهري والرئيسي منها خلال إشراك عملين في نيلها لما توصلت إليه نتائج الفاحصين من تساو بينهما، يجعل عدم منح الآخر أمرا لا حيادية فيه من جانب، ولا يحقق الهدف الأسمى للجائزة من جانب آخر. د. عبدالله الوشمي وأضاف د.الهاجري بأن المناصفة تأكيد من جانب آخر على أن المحكم أبرأ ذمته دينيا، ثم أدبيا وثقافيا أما ما توصلت إليه النتائج وأثبتته بأحقية عملين إبداعيين في نيل الجائزة.. مختتما حديثه بأن هناك العديد من الجوائز العالمية التي يتكرر في العديد من دوراتها خلال مسيرة الجائزة "الفوز مناصفة" كما هو الحال في جائزة الملك فيصل العالمية، والتي تؤكد مناصفتها وغيرها من الجوائز العالمية بأن المحكمين وهيئات تلك الجوائز لديهم من الحيادية ومن تحقيق الهدف الجوهري للجائزة المتمثل في التشجيع ما يجعلهم يشركون عملين تساويا في استحقاق الجائزة، دون التحيز غير المبرر – أحيانا – إلى منح الجائزة لعمل وحجبها عن معادله. كما وصف الكاتب والناقد الدكتور محمد الصفراني، بأن قيمة الجائزة أو ما يعرف بمناصفتها أمر معروف في مسيرة الجوائز.. مشيرا إلى أن النظر إلى هذا الأمر يكون من زاويتين، الأولى منها اعتبرها د. الصفراني بأنها تمثل زاوية "إجرائية" و التي ذكر بأنها تتمثل في آليات تحكيم الأعمال الواردة إلى أمانة الجائزة، والتي تأتي عبر ما وصفه د. الصفراني بالغالب والسائد الذي تجري به عملية تحكيم الجوائز، وذلك عبر إرسال الأعمال إلى فاحصين وتنقى نتائج الفحص بعد انقضاء أجل التحكيم. وقال د. الصفراني: يحدث أن يعود عملان من الأعمال التي أرسلت إلى التحكيم وقد حصلا على رجة متساوية على سبيل المثال ثمانين في المئة لهذين العملين، وباقي الأعمال المرسلة أقل من هذه الدرجة، وهنا تقع لجنة أمانة الجائزة في حيرة السؤال: لأي العملين تنمح الجائزة؟ وخروجا من مأزق الحيرة تقسم الجائزة على العملين، وهذا من وجهة نظري هو المأزق الذي يدفع إلى تنصيف الجائزة أو قسمتها على اثنين، وهو ما يحصل – أيضا – في بعض الجوائز المرموقة في بعض الدورات على مستوى الجوائز العالمية.. مختتما حديثه عن الزاوية الأخرى، التي يرى د. الصفراني بأن " المجاملة" هي لمأزق الدافع لتنصيف الجائزة لإرضاء طرف ما او استمالته أو ما إلى ذلك. يوسف المحيميد أما الروائي والكاتب يوسف المحيميد فاستهل حديثه قائلا: اعتقد أن منح الجائزة لعملين متقاربين من حيث المستوى الفني، أو حجب الجائزة أحيانا عن جميع الأعمال المتقدمة لجائزة ما، أو منح الجائزة لعملين من جنس واحد، أو من فنين مختلفين، ففي تصوري أن هذه المسألة تحمل عدة مفارقات، ففيما يخص منح الجائزة لاسمين معا نظير ما قدماه مثلا خلال مسيرتهما الإبداعية فالمناصفة في هذا الجانب فيمكن قبول ذلك، من خلال مقارنة قامة عربية في فن أدبي معين كأن يكون في الرواية على سبيل المثال بقامة عربية أخرى بقامة أخرى من خلال ترشحهما لدورة جائزة في دورة من دوراتها. يوسف المحيميد: ربما تكون إرضاء لبعض أعضاء اللجان وأضاف المحيميد بأن تقديم الجائزة مناصفة في بعض الفنون كالرواية على سبيل المثال بأنها ليست مجدية، واصفا حدوث هذه المناصفة وشيوعها في العالم العربي على وجه التحديد، مؤكدا من خلال هذا الجانب الأخذ في الاعتبار بأن الجائزة تمنح هنا "لعمل إبداعي" وليس من قبيل منحها "لاسم إبداعي" حيث نجد الشيوع عالميا المناصفات لهذا النوع من الجوائز لا يكاد يكون موجودا في مسيرة العديد من الجوائز كجائزة "البلولتشر" الأمريكية و "البوكر" البريطانية، ومجموعة أخرى من الجوائز العالمية في أجناس إبداعية، لا يمكن لمن يتتبع نتائجها أن يجد أن جائزة الرواية ، أو القصة، أو أي فن إبداعي آخر بأن الجائزة منحت لأكثر من مبدع. ومضى المحيميد في حديثه قائلا: عادة الجائزة تستهدف تتويج عمل إبداعي واحد، وهذا الأصل في رؤية الجائزة ومنحها كهدف رئيس من أهدافها، إلا أنني اعتقد أن منح الجائزة أحيانا لعملين إبداعيين في دورة واحدة، هو نتيجة لاختلاف وجهات نظر التحكيم، مما يجعل هناك مراضاة من خلال المناصفة لأعضاء لجنة التحكيم، لكنني اعتقد أن لجنة التحكيم النقاش حول عملين إبداعيين ويصلون في نهاية المطاف إلى أن عملين هما الأجدر بالفوز، يمكن هنا اللجوء إلى "التصويت" لحسم استحقاق الجائزة، وحديثي هنا من خلال اشتراكي في لجان لتحكيم أعمال أدبية، والتي وجدت أننا لم نكن بحاجة إلى تصويت في كل مرة لأننا وصلنا بإجماع إلى العمل الفائز، وإن كان من "النادر" أيضا أن يكون هناك إجماع أو اتفاق بين جميع أعضاء اللجنة المحكمة على فوز عمل دون آخر.. إلا أن الإجماع في تصوري هنا يعود إلى فتح المناقشة بين أعضاء اللجان المحكمة، لأن يكون لكل واحد الحق في إبداء الرأي لأحقية فوز عمل ما بالجائزة. د. الوشمي: المناصفة لا تعني التماثل في ذات الأعمال واختتم المحيميد حديثه مشيرا إلى ما قد يمتلكه بعض أعضاء اللجان من قدرة إقناعية لبقية الأعضاء في اللجنة المحكمة، لكن التحكيم يجب أن يكون وسيلة للحوار والنقاش والجدال الفاعل من أعضاء اللجنة جميعا للوصول إلى العمل الفائز، إلا أن تباين وجهات النظر وانقسامها إلى جانبين فإن التصويت على أحد العملين كما يرى المحيميد هو الأفضل من حسم الجائزة بمناصفة ترضي بعض أطراف لجان التحكيم. كما وصف رئيس نادي الرياض الأدبي الثقافي الكاتب والناقد الدكتور عبدالله الوشمي، بأن موضوع المناصفة موضوع يقلب التصور المسبق عن الجائزة، لكون الجائزة التي تحتفي بالتميز ثم تمنحه لاثنين متورطة هي ذاتها بعمومية مفهوم الجائزة. وقال د. الوشمي: لا أقول أن هذا التورط في المناصفة لجائزة ما على سبيل الانتقاد، وإنما على سبيل التوصيف، لأنني أرى جيدا أن المناصفة لا تعني التماثل في ذات الأعمال، وإنما تكشف عن تحقيق العملين لمتطلبات الشروط التي وضعتها لوائح الجائزة، دون أن تعني أن الجودة متماثلة في العملين لأنهما تماثلا في نيل الجائزة، فإنا كنا ننظر إلى منح جائزة الأدب لروايتين في سنة واحدة – على سبيل المثال – ثم نطرح سؤال التماثل بينهما، فيجب علينا أن ننظر إلى الفائزين ب"جائزة نوبل للأدب" مثلا، ونقارن بينهم في السنوات، لأنهم نالوا الجائزة نفسها. ومضى د. الوشمي حديثه مشيرا إلى اعتقاد ه بأن طرح هذه القضية المثيرة للجدل بوصفها قضية هامة، تجعله لا يرفض المناصفة.. وإنما يؤكد ويشدد على حد تعبيره على قيم الجائزة وعلى معاييرها الدقيقة، وسمو الأهداف، والوضوح في مسارات الجائزة، ومجالاتها، ومسوغات الفوز بها.. مختتما حديثه بقوله: عندما نتذكر هذه القيم جميعها، فإنني أعتقد أن الناقد يستطيع أن يحلل قيمة الفوز سواء لعمل أو لعملين.