القرار الذي اتخذته جائزة الشيخ زائد للكتاب، والذي ينص على سحب لقب الجائزة من الأستاذ الدكتور: حفناوي بعلي، صاحب كتاب (مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن) والحاصل به على جائزة الشيخ زائد للكتاب، فرع الآداب، في دورتها الرابعة 2009/2010م، استنادا إلى ما وصفته الجائزة بالأدلة والبراهين التي أشارت إلى مآخذ منهجية اشتمل عليها الكتاب، الذي ساد منهجه النقدي، في عرضه لمادة النقد الثقافي، حدود الاستشهاد والاقتباس.. مما أحال تلك السياقات إلى الاستحواذ على جهود الآخرين مضمونا ونصا.. فقد وصف عدد من المثقفات والمثقفين ل(ثقافة اليوم) بأن هذا القرار انعكاس لما ينبغي أن تكون عليه الجوائز في مشهدنا العربي من صدق وشفافية وقدرة على التعاطي مع ما قد تتكشف عنه الأعمال الفائزة بجائزة ما فيما بعد مما يخل بأهداف الجوائز، ويفقدها مصداقيتها من جانب، ومما يؤكد مصداقية تجمع بين الحزم والشفافية من جانب آخر. د. الغذامي: لو كانت المسألة شخصية لجاز للفرد أن يسامح فردا آخر الدكتور عبدالله الغذامي استهل حديثه معقبا على هذا القرار قائلا: حرصت من بدء المشكلة على تجنب المشاركة في اللجان التي شكلتها الجائزة، تحريا مني للحيادية والموضوعية.. لموضوعية الجائزة وحياديتها من جهة، وموضوعيتي وحياديتي من جهة أخرى، وقلت منذ البدء إنني سأحترم وألتزم بأي قرار تتخذ اللجان العلمية المحايدة، ولقد تم التداول بإدارة مستمرة من الجائزة وعبر لجان علمية، وأخرى قانونية وحقوقية، ووصلوا إلى القرار الذي أعلن.. ومن وجهتي، فأنا لست سعيدا أبدا أن يتضرر أحد مهما كان، وليس في نفسي شيء ضد الدكتور حفناوي. ومضى الغذامي مؤكدا أنه ليس في نفسه شيء ضد الدكتور حفناوي، متمنيا أن تكون العواطف والتسامح قادرة على حل الإشكال، لكون الأمر كما يراه الوسط الثقافي حق من حقوق جائزة الشيخ زائد للكتاب، التي أكد الغذامي أن مهمتها نشر الوعي بمفهوم الكتاب، وأولها وعلى رأسها حقوق الملكية الفكرية، والحقوق العلمية والمنهجية.. مشيرا إلى أن هذا مما قامت الجائزة من أجله، معللا ذلك بكونها جائزة للثقافة والكتاب، ولمساندته وتحفيزه، مما جعل الجائزة من هذه الناحية، تصبح مسؤولة علميا وأخلاقيا عن هذه الحقوق. د. ثريا العريض د. أشجان: هذا تجسيد للعدل ويؤكد قمة الوعي ومضى الغذامي قائلا: لكل هذا فالجائزة لا يسعها أبدا أن تتهاون، ولكن لو كانت المسألة شخصية لجاز للفرد أن يسامح فردا آخر، وتنهي المشكلة، لكنني هنا لا أملك هذا الحق، لأن الحق كما وضحت، هو للجائزة وللوسط الثقافي والعلمي في الوطن العربي كله. أما عن تمنياته لمثل هذا الموقف الجريء صدقا كموقف نموذج، قال الغذامي: أسأل الله ألا يحتذى هذا النموذج، بمعنى ألا يقع أمر مثل هذا نحتاج معه إلى قرار قاس مثيل. أما الدكتورة أشجان هندي فقد رأت بأن سحب جائزة بعد تسليمها فهو بمثابة الاعتذار أو التراجع عن خطأ بعد وقوعه.. مؤكدة أن في التراجع عن الخطأ منتهى العدل وقمة الوعي والرقي في التعامل الإنساني، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بتصحيح خطأ، أو بالتراجع عن خطأ له علاقة بالفكر والبحث العلمي، الذي يُفترض أن يكون مُنزّهاً عن شوائب (الأخذ المُتعمّد و في ضوء النهار) من الآخرين دون الإشارة إليهم بطريقة منهجيّة علميّة، مما يتعيّن على كل باحث معرفتها وأداء قسم (كقسم سقراط) يُلزمه بتطبيقها قبل أن يُمسك بقلمه ليخط حرفاً واحدا. وقالت أشجان: المُدهش في الأمر ليس أن تُسحب جائزة ما بعد (اكتشاف عدم أحقيّة فائزٍ ما في الحصول عليها) فسحبها هو ما يجب أن يكون، ولكن المُدهش هو أن تمنح لجان وهيئات استشارية ما أمثال هذه الجوائز لمؤلفات يُكتشف فيما بعد أنها مختلطة بالكثير من المنحول!! مؤكدة أن الأدهى والأمر لو مرّت مؤلفات مُماثلة مرور الكرام لتحصد جوائز مماثلة دون أن تُكتشف أبداً. من جانب آخر، ذكر الدكتور محمد بن مريسي الحارثي، بأن الجوائز العلمية والثقافية تخضع لشروط ومعايير، تضعها الجائزة ومنسقيها، وفقا لشروط تقضي بأن المترشحين لن تدخل أعمالهم دائرة الترشيح إلا بعد أن تستكمل وفقا للمعايير الموضوعة، لتبدأ اللجان بعدها مرحلة الفرز. د. أشجان هندي د. مريسي: لا يمكن الإحاطة بكل ما تروجه سوق المعرفة وقال مريسي: هناك لجان لكل فرع، إلا أنه ليس بوسعها أن تحكم على سبيل المثال ثلاثين أو عشرين عملا تم ترشيحه إليها، لتستطيع لاحقا أن تنقل العمل بدورها إلى دائرة أضيق، وذلك عندما ينتقل العمل منها إلى لجنة التحكيم، التي عادة ما يتم اختيارها من أصحاب القدرات والخبرات الثقافية، إلى جانب ما يمتلكه أعضاؤها من قوة معرفية وتخصصية، تمكنها من تحكيم العمل المرشح إليها، ومن هنا أود أن أشير إلى أن تعدد الأعضاء يمثل أفضلية في مثل هذه الجائزة وغيرها من الجوائز المعروفة، إلا أنني أؤكد – أيضا – أن اختلاف وجهات النظر بين أعضاء اللجنة الواحدة أمر وارد، مما يجعل تغليب صوت الأغلبية الراجح، دون الاعتبار للأقل المختلف وهذا أمر مسلم به في لجان الجوائز العلمية، أما عندما نتحدث عن اختلاف بين أعضاء لجنة عددهم قليل جدا، فعادة ما يتم الاحتياج إلى مرشح، ليتم بناء النتيجة بعد ذلك بشكل أفضل وأكثر دقة، الأمر الذي يعكس لنا ما يكتنف اللجان المحكمة تجاه عمل تحكيمي ما. ومضى مريسي في حديثه موضحا بأن المرشحين للأعمال، ولجان الفرز، والمحكمين، ومن ثم معلني النتائج، ربما غاب عن بعض منهم في لجنة أو أخرى جانبا أو جزئية معينة.. والتي قد لا يتم التنبه لها إلا بعد تسليم الجائزة، ومع هذا وذاك، فللجائزة استدراك ما سبق وأن توصلت إليه، مما يجعل سحب هذه الجائزة حقا مكفولا لهذه الجائزة وغيرها من الجوائز، وخاصة عندما يثبت علميا خلل في عمل فائز، لكون هذا مما يخل بالأمانة العلمية للجائزة، ليصبح سحبها حقا مشروعا، أيا كان المرشح، ومهما كان مستوى الجائزة. واختتم الحارثي حديثه، مؤكدا أنه لا يمكن لأعضاء لجنة علمية أيا كانت، أن يحيطوا علما بقراءة ومتابعة ما هو رائج في السوق المعرفي والثقافي، وقراءة كل ما تنتجه السوق الثقافية، إذ هذا أشبه بضرب من المحال.. مشيرا إلى أن المستوى الثقافي والمعرفي الذي يؤهل لجنة لتحكيم عمل ما، يتحقق من خلال قدر كبير من الخبرة التراكمية التي من خلالها يمكن الاستدلال على عمل مرشح من هنا أو هناك، وذلك من خلال المقاربة بين العمل والرائج من جنسه، مما يجعلنا قادرين على التعرف بوجه عام على دوائر المعرفة للمجال التي تتشكل بتراكمية وخبرة واسعة.. مستشهدا برفض العديد من بحوث الترقيات في الأوساط الأكاديمية، والرسائل العلمية، التي مرده فطنة منبعها المعرفة وأساسها الخبرة. أما الدكتورة ثريا العريض، فقد استهلت حديثها بالتأكيد على ما تقوم عليه الجوائز من إجراءات تنظيمية تضبط منهجيتها، وتحدد أهدافها بعلمية متقنة، مشيرة إلى أن هذا ما نجده في الجوائز المعتبرة التي يأتي من بينها جائزة الشيخ زائد للكتاب، الأمر الذي يجعلنا ننظر إلى هذا القرار من قبيل الصواب وتصحيح اللبس، عطفا على ما تمتلكه الجائزة من معطيات ومعايير، لا يمكن أن يتبادر إلى أذهاننا من خلالها أن القرار جاء بعيدا عن التثبت والتبيين من قبل لجان الجائزة، أو بأنها اتخذته دون أدلة أو براهين تؤكد بها ما توصلت إليه فيما اتخذته تجاه سحب الجائزة. وقالت العريض: إن هذا القرار بصرف النظر عن من هو الفائز؟ وماهية منجزه، يجعلنا أمام احترام لهذه الجائزة، لما يضيفه هذا القرار إليها من مصداقية، وشفافية واضحة، وهذا في الواقع لا يثير غرابة كبيرة – في رأيي – بسبب ما تنشأ عليه الجوائز العالمية من ضوابط من جانب، ومن جانب آخر على سبيل المثال فما زلنا نسمع بين الحين والآخر في مجالات رياضية مختلفة سحب جوائز عالمية في فنون إنسانية مختلفة.. مما عكس مصداقيتها تجاه أنظار العالم، وكذا هو الحال فيما لو فاز عمل ما في مجال آخر بجائزة مماثلة، الأمر الذي يؤكد صدق الجائزة من ناحية، ويحد ممن قد يغريه الفوز بتجاوزات تخل بالأمانة العلمية، التي من شأنها الإخلال بقواعد الجائزة، وتحول دون تحقيق أهدافها.. مقترحة ختاما لحديثها، عدم تسلم المبالغ المالية التي تصاحب الجوائز العينية لبعض الجوائز إلا بعد مضي فترة يمكنها أن تكشف عن رجع صدى، ربما كشف للجان الجائزة ما لم يلوح لهم في أفق العمل الفائز. من جانب آخر وصف الدكتور محمد الربيع، بأن الجوائز الكبرى يحدد لها عند إنشائها، أهداف واضحة ومنهجية علمية، في التحكيم وفي المنح، ينبغي الالتزام به، مؤكدا على أن هذه أمور معروفة للجميع، ولكل من له علاقة بالجوائز. د. محمد مريسي د. الربيع: القرار جرس نذير لكل من يحاول خداع الجوائز وقال الربيع: الجوائز عندما تنشأ من أهم أهدافها، الارتقاء بالبحث العلمي، إلى مستويات متقدمة قوة وعمقا ومصداقية، ومن المهم جدا الالتزام بذلك حماية للجائزة أيا كانت، لئلا يظن بها التساهل والتسامح، وإدراكا لأهمية أن تمنح جائزة لعمل ما فتضع له مكانة كبيرة عند المثقفين، تتجاوز المبالغ المادية الممنوحة.. وبناء عليه فإن أول أمر ينبغي أن تتمسك به الهيئات التي يسند إليها أمر منح الجوائز، هو حسن اختيار اللجان التحكيمية، والتي ينبغي عليها الاتصاف بالعمق العلمي، وسعة الإطلاع، إلى جانب الحيادية التامة، والبعد عن الأهواء، حتى تأتي نتائج هذا التحكيم منطقية ومنصفة في نتائجها، علمية في تبريرها لأسباب المنح أو الحجب. وأشار الربيع إلى أنه ينبغي على اللجان الاستشارية ، والهيئات العليا لكل جائزة، ألا تكتفي بتمرير ما ورد إليها من أعمال مرشحة، لكون الأمر يحتاج في كل مستوى إلى دقة أكثر حكما وتحكيما ومنحا وحجبا.. مع الالتزام بالأمانة العلمية، واليقظة والاستقصاء.. تحسبا لقرار محكم أو مراجع علمي على كتاب بتميز عمل، في الوقت الذي لم يبلغه ما تضمنه من سرقات وخلل منهجي، ليخدع به.. مشيرا إلى أن هذا قد يحدث للفرد، إلا أنه من الصعوبة حدوثه للجنة أو أكثر. د. محمد الربيع د. عائشة: بعض الباحثين قد يستغل التدفق المعرفي سلبا وأضاف الربيع بأن يجب أن يحرص جميع أعضاء ولجان وهيئات أي جائزة على نزاهتها وصدقها، حتى لا تفقد الجائزة مكانتها العلمية، واحترامها لدى الناس.. مختتما حديثه عن قرار سحب الجائزة قائلا: نشكر جائزة الشيخ زائد للكتاب، على موقفها الشجاع، وإذا كان الخطأ قد وقع، فإن الاستمرار عليه اشد خطأ، وهذا ما لم تقبله الجائزة، ليأتي قرار سحب الجائزة قرارا صائبا يعزز ويؤكد مصداقيتها، ليأتي بذلك هذا القرار جرس إنذار لكل من يحاول أن يخدع الجوائز المحترمة، بأن ذلك لن يكون.. وإن وقع فلن يكون. كما أشارت الدكتورة عائشة الحكمي إلى أن كل باحث أو مؤلف يمتلك إدراكا عميقا بمكانة علمه على المستوى الذاتي والاجتماعي الثقافي.. مكانة أسسها على مدار سنين، وانفق فيها من مراحل العمر ما انفق والجهد والوقت والمال ، من أجل تسجيل اسمه في قائمة خدمة الثقافة الإنسانية وخدمة ذاته أولا, مشيرة إلى أنه مما يحفز الباحثين على تكريس المزيد من الجهد، هي الرعاية الشعبية والرسمية لهذا الجهد ,ومنبهة إلى أن بعض الباحثين قد يستغل التدفق المعرفي والانفجار المعلوماتي.. محاولا استمراء السطو على جهود الآخرين لاعتقاده بعدم حضور القراءة والمتابعة وسط زحمة الحياة، ولاعتقاده بعدم تدقيق لجنة التحكيم في كل ما يقر. وذكرت الحكمي أن ما قد يحدث من قبيل هذا السطو، ينظر إليه من قبيل الندرة، عطفا على ما تجربة بالغة.. ومكانة مميزة في الوسط الثقافي، الأمر الذي يفرض على صاحبها الحرص بالاحتفاظ بذلك التقدير وتلك المكانة التي من الصعوبة بمكان التفريط بها. وقالت الحكمي: القرار الذي اتخذته جائزة الشيخ زائد للكتاب، تجاه الناقد الجزائري حفناوي بعلي في أحدث كتبه (مدخل إلى نظرية النقد الثقافي المقارن) إثر فوزه بالجائزة في فرع الأدب في دورته الحالية، جاءت حالة صادمة في الوسط الثقافي العربي ، لكون المتهم باحث ومسؤول - كما تقول سيرته - في عدة مواقع ثقافية وأستاذ جامعي وله رصيد جيد من المؤلفات.. ومما يزيد الدهشة أن بعلي يحسب على انه موضع قدوة لطلابه وغيرهم، مما يجعل انكشاف الأمر بهذه الطريقة المفاجئة ربما يثير الشك – أيضا - في مصداقية زملاء له في البحث العلمي، وربما ضع علامة استفهام أمام لجان تحكيم الجوائز الثقافية بوجه عام وأسلوب عملها ، وكيف يمكن أن يعبر خلالها تقييم موضوع قد يكون مسروقا.. مختتمة حديثها بأن منح جائزة ومن ثم سحبها ليس بالأمر الهين، إلا أنه يدلل على القدرة على معالجة المواقف فيما قد تؤول إليه بعض الجوائز الثقافية.