القائد الفرنسي شارل ديغول كان يقول: إن أردت أن تفهم السياسة فتأمل خريطة العالم، ونقل عن تشرشل قوله: يستحيل أن أذهب الى مؤتمر بدون مراجعة حدود الدول المشاركة.. أما عالم الأرصاد الألماني ألفريد فيجينر فلم يكن مهتما بالسياسة ولكنه اكتشف (من فرط تأمله في الخرائط الجغرافية) النظرية الجيولوجية الشهيرة "زحف القارات".. ففي حين عملت حركات الأرض الداخلية على فصل ورسم القارات خلال مئتي مليون عام؛ عمل البشر على رسم حدود الدول الحديثة في آخر مئتي عام فقط.. وكما هو معروف تُرسم الحدود بين الدول إما على أساس معلم طبيعي (كنهر أو جبال مثل فرنسا وأسبانيا) أو على أساس عرقي (كحدود الهند مع الصين أو ليبيا مع النيجر) أو على أساس قومي (كحدود سوريا مع تركيا أو العراق مع إيران) أو على أساس ديني ومذهبي (مثل بريطانيا مع ايرلندا الشمالية وإسرائيل مع الدول العربية) بل وحتى على أساس تاريخي وخلفية استعمارية (كمعظم الحدود العربية/ العربية)!! وكما توجد خرائط سياسية (تظهر الحدود الرسمية للدول) توجد خرائط أيضا جيولوجية ومناخية وسياحية وثقافية وتاريخية - بل وأطالس تظهر أين يعيش معظم البشر، وأين يتركز الثراء والفقر، ومواقع الحروب والصراعات في العالم، وأكثر الشعوب خصوبة وعزوفا عن الإنجاب.. لهذا السبب أعشق شخصيا التأمل في الأطالس الضخمة وأعتبرها بمثابة موسوعة ثقافية شاملة يمكنني استيعابها ب (مجرد النظر).. وكتابي المفضل بهذا الخصوص هو الإصدار الثامن من "أطلس العالم" من ناشيونال جيوجرافيك؛ فهذا الأطلس لا يضم فقط خرائط جيولوجية واقتصادية وسياحية وتاريخية بل ويتميز بدقة مدهشة - لدرجة إظهار قرى وهجر داخل السعودية لم أجدها على خرائطنا الرسمية!! ومن آخر الإصدارات الجميلة التي أطلعت عليها أطلس (الدمار البيئي) الذي أصدرته الأممالمتحدة قبل سنوات.. وهو - كما يشير العنوان - يركز على حجم التغييرات البيئية التي شهدتها الأرض خلال العقود الماضية بسبب الانفجار السكاني وتدمير البيئة. وهو يضم صورا لأكثر من ثمانين موقعا حول العالم (التقطت بواسطة الأقمار الصناعية) تظهر كيف كانت في الماضي وكيف أصبحت هذه الأيام؛ فهناك مثلا صورا تظهر انحسار غابات الأمازون وتقلص ثلوج القطبين منذ عام 1975.. وصور للبحر الميت تُظهر تقلصه وكيف يكاد طرفه الجنوبي ينفصل عنه نهائيا بسبب مستوى التبخر العالي واستغلال إسرائيل البشع لنهر الأردن (مما جعل منسوبه ينخفض بمعدل متر في العام) .. أيضا هناك بحر الآرال في كازاخستان (الذي يدعى أحيانا أكبر بحيرة مغلقة في العالم) والذي انحسر لدرجة بدت السفن القديمة وكأنها نسيت فوق كثبان الربع الخالي.. أما شط العرب الذي اعتبر ذات يوم أكبر مزرعة نخيل في العالم فيظهر الآن شبه خاوٍ بعد ثلاثة حروب دمرت أكثر من 14 مليون نخلة كانت تبدو واضحة في الصور التي التقطت قبل ثلاثين عاما!! .. وإن كنت تجلس بقرب الكمبيوتر يمكنك رؤية كل ما سبق من خلال صور الأقمار الاصطناعية (عبر موقع: جوجل إيرث)!!