حبيبتي حين التقينا في المدرسة * تم نشره في صحيفة الجزيرة العدد 12741 وتاريخ: 17/08/2007م * اختارته وزارة التربية والتعليم ضمن الملف الصحفي الصادر من الإدارة العامة للإعلام التربوي والعلاقات العامة. إلى من عشت أطلب أمنها وأرجو علو مجدها عهداً علي ألاّ أحب غيرها.. السعودية هي حبي وبالقلب هي وحدها، وعداً مني ألاّ أعكر صفوها، بل أسعى لإسعادها وحماية أرضها ومقدساتها ورفع رايتها، وحفظ كرامتها هي وطني. هي مولدي ونشأتي. هي الخلود، وهي الحياة بجملتها وتفاصيلها، حبها بقلبي من ماضي السنين مستحيل أن أعيش بعيداً عنها؛ لأنه سيقتلني من أجل الشوق والحنين.. أعشق جمالها، أعتز برجالها، أفتخر بعطاء نسائها، أتفاءل خيراً ثم خيراً بشبابها.. وحين يزداد لها العشق تشتعل نار الحب في قلبي، فيقودني الإحساس لأقبل كل ذرة من ذراتها؛ لتهدأ النار المتأججة بداخلي، حبيبتي الأرض سلامي أبعثه إليك بالحب والأماني.. حبي لكِ زاد، ووصفه تعدى خيالي. لا يمكن أن تغيبي عن قلبي ولو ثوانيَ، أسهر لحمايتك وأمنك طول الأيام حتى آخر الليالي، حبيبتي الأرض حبكِ بقلبي تتمثل فيه أسمى المعاني، رضاك عني هو جملة أحلامي، أيتها الأرض يا حدود وطني أنت بقلبي وحيدة بذهني شريدة مكانتك بين من حولك، فريدة لأجلك. تموت النفوس الشريفة شهيدة لتبقى بمحتواك سعيدة، فأنت لدرب السعادة رشيدة، ولمقام الوفاء عميدة. إنها أنت حبيبتي السعودية من كثر حبي لكِ، قلبي صارت النيران تكويه حتى إني كتبت اسمك بروحي، ونقشت حروفك بقلبي.. أيها التاريخ هذه قصة حبي القديمة لهذه الأرض التي هي شمعة مضيئة في حياتي، وهي الوردة العابقة بصدق حنيني، وهي نعمة من ربي يوم كنت من ترابها، روحي لها فداء، وعمري هدية.. حبيبتي الأرض إذا أردتِ أن تعرفيني، فها أنا ذا ابنك ومحبك. أمنيتي في الحياة أن أكون وفياً معك، عنواني هو قلبك وأنت لنا قلب في كل مكان داخل الحدود حتى لغيرنا ممن هم خارجها. صحيح أنني لا أذكر أول لقاء ولا حتى أول صرخة لي في الحياة، لكني أذكر أول الحب حين التقينا في المدرسة وفي طابورها الصباحي حين كنا نردد: (سارعي للمجد والعلياء، مجدي لخالق السماء)، أو في حصة المطالعة حين قال المعلم الفاضل: إن هناك عشقاً عفيفاً في داخل كل منا، يعيش في جوانحنا، ينمو في أعماقنا، ولا بد أن نرعاه ونحترمه ونوجهه للخير. قلنا للمعلم وحينها كنا صغاراً لا نعرف من الدنيا سوى غدونا للمدرسة أو رواحنا منها، ما العشق؟ هل هو حلوى نأكلها أو هدية نظفر بها؟ قال: لا، بل يا أبنائي هو قمة الحلوى والغذاء للروح، وهو أثمن هدية في الحياة، يا أبنائي إن الحب لله أولاً ثم لهذه الأرض وحكامها... نعم هو العطاء والتضحية والفداء والنور والحياة، هذه الأرض يا أبنائي هي وطنكم وأمكم وقلبكم، في حين أن المعلم الفاضل - وفقه الله - يحكي لنا عنكِ أيتها الأرض.. انتابني إحساس بالفخر وشعرت بالاعتزاز بك وكبر ذلك المعلم في عيني حينها، خرجت من الفصل فإذا القلب يبتسم لقلبك، هل تذكرين حين حييتيني، وابتسمتِ بثغرك الفتّان، وحين كان ذلك كله كنت قد عرفت أنك حبي، وعلمت أنك مدرستي الأولى في علم الحب وعالم التضحية، أعترف لكِ أنك وطني.. فلا تقولي أهلاً بروح الحب ومنبعه، ولا تقولي مرحباً بشوق الأيام ومطلعها، أرجوك لا تقولي إني أقبلت والأشواق إليّ مسافرة.. أرجوكِ - أيتها الأرض - لا تقولي إنك انتظرت مجيئي مع الليالي ونجومها أو مع الإصباح وشموسها فأنا معك.. معك لكن الحب قتلني والعشق قيدني.. لا تقولي تخلص من قيودك وخذ الثأر ممن قتلك؛ لأني لن أقتل من جعلني أكون مخلصاً معك، ولن أقطع القيود التي كانت السبب في حضوري.. أيتها الأرض الحبيبة، يا منبع النور والحق والضياء، أنا هنا بين نارٍ من الحب أنت من أوقدها، أنا هنا في قيعان محيطات عشق أنت لذتها لا يمكن أن أنساكِ؛ فمحبتك بقلبي مسكنها، وصورتك بعقلي أنقشها، وجمالك بريشة الفنان في عيني أرسمها.. ها أنا قد أتيت من هناك من فوق قمة من قمم السروات.. من جبال الدائر بني مالك فاتنة السحاب بجازان.. من بين مزارع البن وسنابل القمح.. من بين عقود الكادي وبساتين الرياحين وأشجار العرعر، أتيت أتخطى المدرجات الخضراء أحمل بين جوانحي قلباً يحمل حباً صادقاً ومشاعر تفيض إخلاصاً، علمنيها المدرس وزرعها والدي ووالدتي من قبل في ذاتي، وجعلوها أمانة في عنقي لكِ أيتها الأرض.. نعم أتيت من أجل أشواقٍ أنت مَنْ أرسلها. جئت من أجل لحظات، أنت أسعدها وبالقلب أمانٍ وفي النفس معانٍ أنت مطلبها وفي العين مناظر فخر واعتزاز أنت أجملها.. حين من الدهر أنت بهجته، ونبضات من الحنان والدفء والأمان أنت مصدرها.. هل عرفت حضوري يا من عشقتها..؟ علم الله أنني أتيت أتتبع صوت نبضات حب في كل مكان أنت منبعه.. أتيت لأحرث أرضاً هي أنت العز والشرف والكرم، هو خصب تربتك لأزرع فيها وروداً أنت من يرعاها تفوح عشقاً؛ أنت عطره وتبقى حباً أنت أرضه، أسقيها بعرق جبيني.. حبيبتي الأرض بأي ألوان الحب أرسم نبضي، وأنتِ حبي وأرضي بأي لغة أترجم لكِ إحساسي، وأنتِ هوائي وأنفاسي من أي وردٍ أعطر إعجابي، وأنتِ رحيق الأمل والأماني.. حبيبتي الأرض كم أنتِ رائعة بروعة إنسانك الطاهر، غالية بثرى ترابك العاطر دائماً وأبداً تحملين لنا الفرح، تشرقين بالحب من أجلنا، منك تعلمنا أننا بالأمل نعيش حياتنا، وبالعمل نواصل مسيرتنا، من دونك لا يمكن أن نعيش، ومن غير ترابك لن نعرف أن نمشي في دروب السعادة، فأنتِ مَنْ جعل لنا من الظلام نوراً، ومن الخوف أمناً، ومن الجهل والتخلف علماً وتقدماً، أنتِ أيتها الأرض بأبنائك الأوفياء وتضحية كل الشرفاء مَنْ أسعدنا بعد الشقاء، وجمعنا بعد الفراق حتى أصبحت أيامنا وروداً، وليالينا عطوراً وأوقاتنا كلها سروراً وحبوراً.. أفلا تستحقين أن تكون أرواحنا لكِ فداء وأعمارنا لكِ هدية.. والله العظيم إن لك في قلوبنا محبة لا تقدر بثمن؛ لأنها بالفعل ثمينة لا يساويها إلا أرواحنا وهي تقدم لكِ مغلفة بالتضحية، ومعطرة بالدماء الزكية، دائماً أنت على نفوسنا عزيزة؛ لأننا نعتز بك وبانتمائنا لكِ أنت الحياة والأمن والاستقرار، يا زهرة الربيع التي لا تموت، ويا سحابة المطر التي لا تبخل علينا بالخير، يا أرض العطاء والبناء، يا مزيجاً من الياقوت والمرجان والألماس والدرر - أرض السعودية - يا شمعة الحب الأصيل، والإنسان الشهم النبيل حبيبتي الأرض، يا مَنْ هطل مطرك على قلبي، فاخضرت صحاريه كما هي أنت وأزهرت وروده، وفاحت عطوره، يا تُرى مَنْ غيركِ كان سيروي قلبي بالمطر؟ من كان سينعش حسي بنفح العطر؟ بل مَنْ كان سيدخل قلبي ويبقى طول الدهر؟ لا شيء في هذا الكون يستطيع أن يسعدني بالوفاء والحب والحنان والأمن والأمان غيركِ - أيتها الأرض - أنت لي النور مثل السماء نورها القمر، وأنت بعيني أحلى من طلعة البدر، أنت أحلى شيء في حياتي؛ وحلاتك أحلى من لون الزهر.. حبيبتي الأرض حين حاولت أن أجرب الحب لم أجد مثلك للحب وفاءً وحناناً، ولم أذق للعشق طعماً ومعنى إلا حين كان ترابك الشريف يبادلني الإحساس، حين جلست بين المروج وقبل الغروب، وحين أمسيت وحيداً، ما لي رفيق ولا حتى صديق.. أخذت أنادي الشمس بل أتوسل إليها: لا تغيبي عند الغروب. لا أريد أن أمسي وحيداً بلا خل أو صديق. أقسم لك يا شمس النهار واشهدي لو كان لي حبيب ما عنه أغيب سأظل له شمساً بعد الغروب، ومع الشروق لا يمكن أن أتركه وحيداً، ولا عنه أفكر أن أبتعد أو أغيب.. سأحبه وأسطر له الإخلاص بالأماني والأشواق.. يا زهرة الربيع اشهدي لو كان لي حبيب حبه عني لا يروح.. يتجدد مثل شذا عطرك العبيق.. أرجوك يا موج البحر.. أرجوك روح وتعال، شمال وجنوب، شرق وغرب.. تلقني أقطع للحبيب شوطاً وشوقاً، يا رمال الصحاري وحّدي وكبّري واشهدي ثم شاهدي كيف أمشي إليك حافياً طول الطريق.. لأجله أتحدى المصاعب وأتعدى المآزق، حينها صرخ التراب ردد الكون أصدق جواباً وأحلى نشيداً.. أنا الأرض أنا الحب اسمي السعودية اسمي السعودية. أيها التاريخ هذه قصة الحب بين الأرض والإنسان. امتزج فيها الوفاء بالعطاء واختلط تراب العشق بماء الحب المتدفق من نبع الحياة؛ لتشكل ملحمة إنسانية ووطنية تأصلت في ذاكرة الإنسان، وارتبطت بذكريات الزمان وعبق المكان، فاقت مشاعر الحب بين قيس وليلى أو جميل وبثينة، وتحدث في صدق واقعها قصة عنترة وعبلة رغم اختلاف الحب وبعد الزمان.. إلا أن المكان واحد. هو هذا الوطن الذي شهد قصص الحب والغرام بين بني الإنسان، فما بالك إذا كان هذا الحب وذاك الغرام بين الإنسان والمكان؟ فما أروعه من حب، وما أعذبها من تضحية!! رحم الله موحد هذه البلاد وطيب ثراه حين كان وفياً في حبه مع شعبه وأرضه.. حين قال: (أنوي يا والدي أن أخرج إلى الرياض لأستعيد دولة الآباء والأجداد أو أموت هناك). سجِّلْها أيها التاريخ في مجلداتك لتبقى دروساً من الحب مفتوحة تتعلم منها الأجيال العطاء لهذه الأرض، والولاء لهؤلاء الحكام، وحتى يبقى الإنسان على امتداد هذا الوطن سالماً آمناً من كل شر، سعيداً في حياته، عليه أن يرعى النعم التي امتنَّ الله بها عليه.. لا تعد ولا تحصى، حقاً لقد أبدع الأستاذ عبدالله الجعيثين حين قال: (أسهل وأجمل وصفة للسعادة هي شكر الله سبحانه وتعالى).. ولعل لنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوة حسنة في حب الوطن، فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكة: (ما أطيبك من بلد، وما أحبك إليّ، ولولا إن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك). وحين خرج - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وسكن فيها قال كما جاء في صحيح البخاري: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد). كلمة مضيئة قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ووفقه: (إن النهضة يصنعها أمل يتحول إلى فكرة ثم إلى هدف). جابر حسين المالكي [email protected]