أحسب أن كل خلل أو معوق في حياتنا الاقتصادية، أو التعليمية، أو التربوية، أو الإدارية كالبيروقراطية، أو في أي شأن من شؤون مسيرتنا الحياتية كمجتمع، ومؤسسات، يمكن معالجته، وحصاره بالوعي والتحديث والفكر حتى القضاء عليه، وأحسب أن النية والعزم والرغبة إذا ما وجدت لتخطي السلبيات والعوائق في التعاطي مع إدارة شؤون الناس، وإنجاز مصالحهم، وتكريس فعل الإنتاج من خلال تطبيق القوانين والنظم الفاعلة التي تكفل العدالة والشفافية والمصداقية في التناول والعطاء والتنفيذ ومراعاة مصالح الوطن والناس، أحسب أن ذلك كفيل بتكامل جهود تفضي إلى وضع رغبات وأمنيات الناس في مكان الاهتمام والحرص على تجسيدها واقعاً معاشاً، واعتبار الهموم والهواجس التي في دواخلهم حالة لا تخضع للتأجيل، أو التجاهل، أو القفز عليها إلى أمور ثانوية، فهموم الناس هي الأساس الذي تُكرّس له الجهود والإمكانات في كل أجهزة الدولة للغوص في أبعادها ومسبباتها وأطر القصور في معالجتها، لإنبات حالة اطمئنان شاملة. كل معوقاتنا، وسلبيات حياتنا، وما هو خلل في بعض مساراتنا يمكن لنا أن نوجد له حلولاً ننعتق بها إلى الأفضل والأجمل، من السهل إذا وجدت الرغبة والنية أن نعالج مشكلات التعليم، وصياغة مناهجنا التربوية والتعليمية لنوطّن الحداثة، ونرسخ منتج الوعي والعقل، ونحاكي ما هو مستجد ومتحول، وننهض بالتعليم في كل مراحله عبر أدوات الحداثة والمعرفة وما هو ضرورة قصوى من معارف وعلوم ومفاهيم تدخلنا الزمن الذي نعيشه، وتمنحنا تأشيرة دخول إلى التاريخ المستقبلي، وتُقدّم شاباتنا وشبابنا إلى الحياة بأسلحة العصر، ومضامين الحياة الحديثة، كما أن بإمكاننا معالجة خططنا وبرامجنا إن اقتصادية، أو إدارية بهيكلة الإدارة، والتعرف على الأولويات، ووضع الفكر الاستشرافي الذي يقرأ المستقبلات في وجداننا العملي، ومناحي سيرنا نحو قمة التطور وإحلال مضامين التنمية والنمو في كل فضائنا الاجتماعي والحياتي والجغرافي. كل ذلك وغيره من السهل التعامل معه، لكن المأساة الحقيقية، والكارثة التي تنهك الشعوب والحكومات، وتكرس الداءات والأوجاع والانهيارات في نسيجها المجتمعي، ومسارات سباقاتها مع الزمن والتطور هو الفساد الإداري والمالي، وإذا ما استوطن الفساد في مجتمع من المجتمعات، أو تغلغل في مؤسساته وإدارات مصالحه، والجهات التي تخطط لمستقبلاته التنموية، فإن مصائره تتجه إلى الانحطاط والتخلف والضياع. كارثة أن يكون الفساد ثقافة اجتماعية ووظيفية وإدارية، وأن تجد الرشوة لها دروباً ومسالك وقوننة و"ذئاباً" ومن يعيثون في مشكلات الناس وحاجاتهم وظروفهم فساداً، ويكوّنون الثروات من خلال انحطاط أخلاقي ومسلكي يوهن المجتمع، ويرهقه، ويضنيه، وينشر في جسمه وجع المعاناة والقهر، وأن يكون الفساد والهدر المالي في المشروعات التنموية، وما يدخل في إطار التطوير والتحديث حالة مكرسة بفعل ثقافة المافيات التي تتآمر على مقدرات الوطن والمواطن فتنهب الأموال وكأنما دخول الوطن وموارده المالية قطعة "جاتوه" سعيد الحظ من يقتطع منها أكبر جزء. الروائح الكريهة تفوح هنا وهناك، والدراهم أبت إلا أن تطل بأعناقها لتشي بفساد كبير نعلق الأمل على هيئة مكافحة الفساد في وضع الحد لها، وتضييق الخناق عليها كثقافة، وإن كنا قد انتظرنا طويلاً ولم نسمع بمحاكمة وسجن ومصادرة أموال لمن يشير المجتمع لهم بوضوح وصراحة. الفساد والرشوة والنهب عوامل إذا دخلت في نسغ المجتمع يكون من الصعب استئصالها، والعلاج يكون بوأد هذه الثقافة في مهدها.