أُحاول أن أجد ذهنية استهلاكية وجذورا لعملية الشراء للمواد الغذائية في بلادنا، والذي أراها تصف الإسراع بأدق معانيه. فالمرء يشتري أكثر مما يستهلك ويحتاج. مرة أقول إنها سنين الشح والندرة في ماضينا، ونريد التعويض، حتى لا أقول الثأر أو الانتقام. ومرة أخرى أقول إنها السعة والمداخيل التى انبثقت مع انبثاق الثروة النفطية، فحفرت في الذهن عادة يصعب الارتداد عنها إلى الخلف، ومرة ثالثة أقول إنه الخوف من النفاد والندرة، ورابعة أقول إنه اختصار للوقت وتوفير بدلا من القيام بالرحلة (المشوار) لكل طلب أو حاجة.. وقد تكون كل هذه الأشياء مجتمعة. أحد معارفي اشترى صندوقا من الطماطم ثلاثة أرباعه فاسد، ومثله أنواع من الخضار، مُتقصدا. وبعد تسليمه لأهله فوجئوا بهذا الطور الغريب وسألوه ما القضيّة، فقال لهم: "أسرع للكَبْ". ويقصد للرمي، بما يعني أنهم سيرمون، القديم، فهذا جاهز "للكب الآن" دون حفظ واحتلال مساحة في الثلاجة، لمدة ثم التخلص منه. خذوا ما يلزمكم وارموا الباقي، وقد اشتريت التالف بما يقرب من المجّان. "ليكن جاهزا للكب". واعتقد - ولا أجزم - أن الثلاجات والمجمدات ساعدت على الهدر كثيرا. فالمنزل يشتري الكثير على اعتبار أن كل شيء يصلح للتجميد. ولو فتحت مجمدة منزلكم وجدت أن ما بها يكفي لإطعام سَريّة..! وأحد الأسباب التي ذكرتها يلعب دورا في هذا الجشع والطمع والخوف. تقل الثلاجات والمجمدات في أوروبا، وتنعدم تقريبا في شمالها. والسبب معروف وهو برودة الطقس ورقيّ الثقافة الاستهلاكية. فربة البيت لديها برنامجها اليومي لجلب حاجة المنزل دون مبالغة. وأذكر أنني سكنت عند سيدة في ضاحية لندنية وتُقدم وجبة الإفطار فقط.bed & Breakfast وفي بعض الأحيان أترك البيضة المسلوقة التي تُصاحب الفطور. وبأدب نبهتني إلى إعلامها مسبقا برغبتي عدم تناول البيضة. حتى تتفادى شراءها ضمن قائمة التسوّق. ففعلتُ ما طلبتْ، مدفوعا بطلبها المؤدّب وأيضا المبرر.