لابد من أن الكثير من القراء قد سمع بإبرة الكرتزون التي يتم استخدامها لعلاج بعض أمراض العظام والمفاصل. ولكن من المثير للاهتمام هو أن الكثير من الناس يصيبهم الهلع والرعب عندما يعرض عليهم الطبيب هذه الإبرة ويبدؤون بالتخوف من مجرد ذكر هذه الكلمة ( إبرة الكرتزون). وفيما يلي سوف نحاول توضيح ماهية هذه الإبرة وما لها وما عليها وما هي فوائدها وما هي أضرارها المحتملة ونحاول إزالة المخاوف والأساطير والخرافات التي تراكمت لدى بعض الناس عبر السنين عن هذه الإبرة. * ماهي إبرة الكرتزون؟ - في الواقع أن الإبر التي يتم استخدامها من قبل أطباء العظام والمفاصل في علاج بعض الأمراض لاتحتوي على مادة الكرتزون نفسها ولكن تحتوي على مادة من مشتقات الإستورويد شبيهة في عملها لمادة الكرتزون ولكن ليست لها آثار جانبية مثل الكرتزون الذي يتم تناوله عن طريق الفم. وهذه المواد هي ذات خاصية مضادة لالتهاب المفاصل والأوتار والعضلات قوية جداً تفوق خاصية الأدوية المضادة للالتهابات التي يتم تناولها عن طريق الفم بأضعاف كبيرة وهذه النقطة مهمة جداً حيث أن كثير من المرضى الذين لديهم آلام مزمنة أو أمراض مزمنة أو التهابات مزمنة يتناولون الحبوب لفترات طويلة وقد لا تؤدي إلى نتائج جيدة وفي هذه الحالة يتم اللجوء إلى إبرة الكرتزون لأن المادة الموجودة فيها أقوى بكثير من ناحية فاعليتها ولأنها تعمل في منطقة واحدة وليست لها آثار جانبية كما سنذكر لاحقاً. إذاً فالإبرة تحتوي على مادة مضادة لالتهابات العضلات والمفاصل ذات فاعلية قوية. وعادةً ما تأتي المادة الدوائية على شكل عبوة جاهزة يتم خلطها مع بعض التخدير الموضعي وهي تأتي على شكل أنواع من الأدوية أهما دواء الديبومدرول. استخدام الأدوية بشكل مفرط يؤثر على الجهاز الهضمي * فوائد وكيفية عمل إبرة الكرتزون - كما ذكرنا سابقاً فإن بعض أمراض العظام والمفاصل هي أمراض المزمنة ولا يمكن القضاء عليها تماماً ولكن كل ما نستطيع عمله هوالتحكم في الأعراض وإعادة المريض لممارسة الحياة بشكل طبيعي. فلنأخذ على سبيل المثال مرض خشونة الركبة الذي يصيب الكثير من الناس في منطقة الشرق الأوسط ومناطق شرق آسيا والقارة الهندية نتيجة الجلوس في وضع التربيعة أو نتيجة أسباب أخرى. هذا المرض عندما يكون متقدماً فإنه يؤدي إلى خشونة في المفصل وتهتك في الغضروف والتهاب في المفصل وتآكل واحتكاك يؤدي إلى آلام شديدة ومزمنة تزداد مع مرور الزمن وتؤثر على حياة المريض أو المريضة وتجعله غير قادراً على القيام بالأعباء والأعمال اليومية بل وقد تجعله غير قادراًعلى المشي ولو لخطوات بسيطة. هذا المرض ليس له علاج نهائي لأن الغضروف المتآكل والمفصل الخشن لا يمكن إعادته إلى وضعه الطبيعي. وكل ما في الأمرأننا نحاول تخفيف الأعراض بالطرق العلاجية التحفظية مثل الأدوية المسكنة والمضادة للالتهاب والعلاج الطبيعي واستخدام الأجهزة المساندة مثل عكاكيز المشي أو العصا الطبية والعلاج الطبيعي وغير ذلك. وفي الحالات المتقدمة جداً أو الحالات التي لاتستجيب للعلاج التحفظي فإن الحل النهائي هو إجراء عملية جراحية تعرف باستبدال المفصل الصناعي. إذاً لا يوجد حل نهائي وجذري سوى العملية الجراحية ولكن في كثير من المرضى الذين لا يتحملون الجراحة أو لا يرغبون في إجراء العملية فإن الحل هو التحكم في الأعراض عن الطريق العلاج تحفظي الغير جراحي. وأهم جزء من العلاج التحفظي هو استخدام الأدوية المضادة للالتهابات (nsaid). هذه الأدوية تأتي على أشكال مختلفة وبعوات مختلفة ومصانع مختلفة ومن دول مختلفة ولكن الهدف منها هو خاصيتها المضادة للالتهابات التي تساعد على تقليل الالتهاب في مفصل المريض وبالتالي تساعد على تخفيف الألم . يتم استخدامها لعلاج بعض أمراض العظام والمفاصل إلا أنه في بعض الأحيان قد يؤدي الاستخدام المزمن والاستخدام المفرط لهذه الأدوية إلى آثار جانبية محتملة مثل التهابات المريء وتهيج والتهابات المعدة وتقرحات المعدة بل وحتى آثار سلبية على الكلى وعلى الكبد. فالمعروف طبياً في جميع أنحاء العالم بأن السبب الأول في حدوث تقرحات المعدة والسبب الأول في حدوث نزيف الجهاز الهضمي هو الاستخدام المفرط والمزمن لهذه الأدوية التي تستخدم لعلاج خشونة وأمراض المفاصل. ولهذا السبب فإننا دائماً ما ننصح بعدم الإفراط في استخدام هذه الأدوية وننصح باستبدالها بإبرة الكرتزون وذلك لأن الدواء الذي يتم تناوله عن طريق الفم يذهب إلى المريء ثم إلى المعدة ثم إلى الأمعاء ثم إلى بقية الجهاز الهضمي ثم يتم امتصاصه ويمر على الكبد ويمر على جميع أجزاء الجسم ويمر على مفصل المريض وبعد ذلك يمر على الكلى. إذاً فهذا العقار يمر على جميع أنحاء الجسم قبل أن يؤتي فوائده في مفصل المريض. وإذا ما تم استخدامه لفترات متقطعة أو لفترات طويلة وبجرعات معقولة وتحت إشراف الطبيب ولم تكن له آثار جانبية على المريض أو المريضة فإنه لا بأس في ذلك. ولكن إذا ما كان المرض يستدعي الاستخدام المفرط والمزمن لهذه الأدوية التي يتم تناولها عن طريق الفم وإذا ما بدأت هناك آثار جانبية لهذا المرض أو إذا ما كان المريض أو المريضة لديه أصلاً تاريخ مرضي لتقرحات المعدة أو مشاكل في الجهاز الهضمي أو مشاكل في الكلى أو مرض الربو المزمن أو غير ذلك فإنه لا ينصح بالإفراط في تناول هذه الأدوية وهنا يأتي دور إبرة الكرتزون الممتازة في هذه الأحوال حيث أن الإبرة يتم إعطاؤها عن طريق الطبيب المختص في المنطقة المريضة فقط وتجلس لتعمل في المنطقة المريضة فقط ولا يتم امتصاصها إلى باقي أنحاء الجسم وتكون ذات تركيز كبير يؤدي إلى التخلص من الأعراض لفترات طويلة قد تمتد إلى أشهر أوسنين في غالبية المرضى بدون أي آثار جانبية تذكر سواءً على أجزاء الجسم الأخرى أو على الجزء الذي يتم حقنها فيه. ولذلك فهي من هذه الناحية ذات مفعول أقوى وذات مفعول أطول وذات آثار سلبية لا تذكر سواءً على جزء المرض أو على بقية أنحاء الجسم. وهذا هو السبب الذي يجعل الكثير من الأطباء يفضلونها لدى بعض المرضى الذين ذكرناهم سابقاً. * هل تؤدي هذه الإبر بعد مرور فترة من الزمن إلى تفاقم المرض؟ - في الواقع أن هذا اعتقاد خاطئ وذلك لأن هذه الإبر يتم استخدامها في أمراض مزمنة تزداد مع مرور الوقت والزمن بغض النظر عن نوعية العلاج. فإذا ما أخذنا كمثال مرض خشونة الركبة المتقدم والذي يتم استخدام هذه الإبر فيه عند بعض المرضى. فسواء أخذ المريض هذه الإبرة أو لم يأخذها وسواء أخذ الحبوب أو لم يأخذها فإن مرض خشونة الركبة المزمن سوف يزداد مع تقدم الوقت وسوف تسوء حالة المريض في كثير من المرضى بغض النظر عن العلاج. إذا فالإبرة تؤدي إلى تحسن في الأعراض ولكن سواء أخذ المريض الأبرة أو لم يأخذها فإن المرض سوف يزداد مع مرور الوقت. * هل تسبب هذه الإبرة إدماناً أو تؤدي إلى عودة الأعراض بشكل أكبر بعد أن يزول مفعولها؟ - في الواقع هذه الإبرة لا تؤدي إلى إدمان ولا يتعود عليها الجسم أو المفصل وليس من المفروض أن تكون الأعراض أشد بعد انتهاء مفعول الإبرة. ولكن كما ذكرنا سابقاً فإن هذه الأمراض عادةً ما تزداد مع مرور الوقت بغض النظر عن العلاج الذي يتم استخدامه ولذلك فإن بعض المرضى قد يشعرون بتحسن لشهور وبعد أن يزول مفعول الإبرة يشعرون بالآلام مرةً أخرى ويعزونها إلى الإبرة والواقع هو أن الآلام عادت ليس بسبب الإبرة ولكن لأن المرض موجود وهو مرض مزمن ولا يمكن القضاء عليه نهائياً إلا عن طريق التدخل الجراحي. * ما هي الآثار الجانبية المحتملة لهذه الإبرة؟ - هناك احتمال حدوث التهابات جرثومية عندما يتم إعطاء الإبرة بطريقة غير معقمة ولكن هذا شيء نادر جداً جداً لأنه دائماً ما يتم استخدام تعقيم موضعي عند إعطاء الإبرة. بالإضافة إلى ذلك قد يشعر المريض أو المريضة بوخزة بسيطة عند إعطاء الإبرة ولكن يتم خلط مادة الديبومدرول مع تخدير موضعي لكي يقضي على الألم. وفي بعض المرضى عندما يزول مفعول التخدير الموضعي فإن الدواء يبدأ بالعمل وقد يشعر المريض أو المريضة بآلام في المنطقة التي تم حقنها لمدة يوم أو يومين أو ثلاثة وبعد ذلك يبدأ مفعول الإبرة وتختفي الآلام بإذن الله. كما أنه في حالات بسيطة وقليلة قد يتم امتصاص جزء بسيط جداً من المادة التي تم حقنها وقد يؤدي ذلك إلى زيادة معدل نسبة السكر في الدم عند مرضى السكري لفترة يوم أو يومين وهنا دائماً ما ننصحهم بالتحكم في مستوى السكر في الدم خلال هذين اليومي. وفي ماعدا ذلك فإنه لا توجد آثار أخرى لهذه الإبر الموضعية. * ما هي الأمراض وما هي الأماكن التي يمكن استخدام هذه الإبرة فيها؟ - في الواقع هذه الإبرة يتم استخدامها بكثرة في الحالات المتقدمة والشديدة لمرض خشونة الركبة وكذلك التهاب أوتار الكتف وخشونة مفصل الكتف والتهاب عضلات المرفق والتهاب أوتار وعضلات الكعب. كما يمكن استخدامها أيضاً لالتهاب أوتار اليدين والقدمين وأي عضلة أو وتر أو مفصل مؤلم في الجسم. * ما هي الفترة التي تعمل خلالها الإبرة وهل يجب تكرارها بعد ذلك؟ - لايوجد وقت معين لهذه الإبر. ولكن عندما يتم استخدامها لعلاج التهاب الأوتار مثلاً فإن الغالبية العظمى من المرضى تستجيب من أول مرة ولاتحتاج لإعادة الإبرة بعد ذلك إلا نادراً. أما في بعض الأمراض الأخرى مثل مرض خشونة الركبة فإن الإبرة يستمر مفعولها لفترات تتراوح بين الثلاثة أشهر إلى مافوق السنة ويتم إعادة حقنها حسب طلب المريض أو المريضة. * هل تغني هذه الإبرة عن العمليات الجراحية؟ - ليس بالضرورة أن تغني هذه الإبرة عن العملية الجراحية. ويجب أن نفهم جيداً ان الهدف من هذه الإبرة هو التحكم في الآلام الناتجة عن خشونة المفاصل لفترات طويلة. واحتمال الحاجة إلى عملية جراحية يعود لشدة المرض ولرغبة المريض أو المريضة ولمدى استجابتهم لخطة علاجية متكاملة تتضمن الإبر والحبوب واللزقات والعلاج الطبيعي وغير ذلك. النصائح والتوصيات في الواقع إن هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة حول إبرة الكرتزون التي يتم استخدامها في علاج أمراض والتهابات وخشونة المفاصل المزمنة. وهذا المفهوم الخاطىء قد يحرم الكثير من المرضى من الاستفادة من هذه الإبر ويجعلهم يلجأون إلى استخدام الأدوية والمسكنات القوية بشكل مزمن مما قد تؤثر سلبياً على جهازهم الهضمي أو الجهاز البولي. والواجب هو محاولة تفادي هذه المضاعفات ومحاولة تثقيف المريض عن فوائد الإبرة وإزالة المخاوف التي لديهم وجعلهم يتخذون القرار المناسب بناء على المعلومات الصحيحة وليس بناء على الإشاعات التي يتداولها العامة.