إلى إيران يتجه الرئيس المصري محمد مرسي في زيارة تاريخية تحمل رمزية سياسية عميقة تتعدى المعلن عن سبب الزيارة وهي المشاركة في قمة عدم الانحياز. وتنظر طهران لزيارة الرئيس المصري بشكل مختلف وهي التي تعول عليه في عودة العلاقات إلى عهد ما قبل «الثورة الخمينية» التي كان نجاحها بداية النهاية لقطع طهران علاقاتها الدبلوماسية مع القاهرة عام 1979 وهو التاريخ الذي أبرمت فيه معاهدة كامب ديفيد المثيرة للجدل. وهللت إيران الخميني باغتيال السادات على يد أحد «الإسلاميين» وهو خالد الاسلامبولي الذي رأت فيه بطلاً يستحق اسمه التخليد وأطلقت اسمه على أحد شوارع عاصمتها. مرت العلاقات المصرية - الإيرانية بفترات مد وجزر يغلب عليها التوتر والحنق، ولم تسلم العلاقات في فترة الرئيس المصري السابق حسني مبارك من الخصومة خصوصاً خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية، إذ مدت القاهرة بغداد بالمشورة العسكرية والتسليح، وشن الجانبان في وقت لاحق حرب تصريحات على بعضهما، إذ اتهمت القاهرة في أوقات سابقة طهران أنها تقف خلف توترات داخلية كنشر التشيّع في مصر وأخرى إقليمية عندما وصف خامنئي مبارك بخادم الصهيونية والأميركيين، وكان المرشد قد وصف سقوط الرئيس المصري السابق في ثورة 25 يناير ب»النصر الإلهي»، ويرى النظام الإيراني وصول الرئيس مرسي والإسلاميين إلى سدة الحكم في المنطقة العربية على أنه صحوة إسلامية وهو بذلك يمنح ثورة الخمينية الامتداد والزخم اللامنقطع. أهمية الزيارة تعني الزيارة التي يقوم بها الرئيس مرسي إلى إيران الشيء الكثير وهي التي تأمل في أن تكون العلاقات في عهد مرسي أفضل من عهد سلفه، فإيران التي تعاني عزلة إقليمية ودولية، تتوقع من مصر الجديدة انفتاحاً يكسر عزلتها ويضفي عليها حضوراً إقليمياً كون القاهرة فاعلاً مهماً في سياسة الشرق الأوسط. إلا أن تحقيق ذلك لن يكون من السهولة بمكان حيث تلتزم مصر بتحالف إستراتيجي مع عدد من الدول المحورية التي لا ترى في إيران حليفاً مأموناً يمكن الاعتماد عليه، التي يرى ساكن قصر «العروبة» أن في التمسك بهما حلفاء أمر لا يمكن إلا الإبقاء عليه وتعزيزه، وبدا ذلك واضحاً من خلال الزيارة الأولى للرئيس المصري خارج بلاده وكانت للمملكة، وبتلك الزيارة وجّه رسالة واضحة لطهران عن أجندة مصر ما بعد الثورة، وكانت إيران تأمل من خلال مبادرتها بطلب قدمه رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة لمقابلة الرئيس مرسي بعد فوزه مباشرة أن تحظى بدعوته أولاً إلا أن الأخير لم يستقبل رئيس المكتب الايراني. وأعادت طهران الكرة ولكن هذه المرة بمناسبة تأخذ صبغة دولية وهي دعوة مرسي لقمة عدم الانحياز. وترى طهران أن وصول رئيس ذي خليفة «إسلاموية» يمكنها من كسبه لصفّها مستغلة حالة التوجس والترقب التي تبدو على المشهد الغربي والإسرائيلي على حد سواء من وصول إخواني لحكم مصر. وبددت القاهرة خلال لقاءات عقدتها القيادة المصرية مع مسؤولين وعسكريين أميركيين وغربيين تكهنّات الإيرانيين، بعد أن نقلت وزيرة الخارجية الاميركية كلينتون في تصريحاتها إثر لقائها الرئيس مرسي في القاهرة أن الأخير أكد التزام دولته باتفاقيات السلام التي أبرمت في أوقات سابقة في إشارة إلى معاهدة «كامب ديفيد»، إضافة إلى رغبة واشنطن أن تكون شريكة لمصر في مرحلة التحول الديموقراطي. وبالرغم من العلاقة التاريخية التي جمعت في فترة من الفترات الإخوان ببعض قيادات الثورة الخمينية إلا أن الأحداث التي عصفت بالمنطقة خلال العقدين الماضيين أثرت عليها بشكل مباشر، ويدرك الإخوان أن تعاطيهم السياسي الإقليمي الآن يجب أن يتغير من جماعة «محظورة» إلى حزب سياسي حاكم. أما بالنسبة للقاهرة فهي زيارة تؤكد من خلالها على استقلاليتها في بناء علاقاتها الخارجية، وأن بإمكانها اختيار أصدقائها وحلفائها، وأنها بذلك لم تعد ترى ما يبرر القطيعة. وتتطلع مصر لتولي دورٍ قياديٍ في المنطقة على المستوى الذي يشبه الدور التركي وهي مهيأة لذلك، بل تمتلك القاهرة ميزة تفضيلية كوسيط ومفاوض موثوق يتمتع بخبرات واسعة، خصوصاً بعد أن أثبتت الاستخبارات المصرية براعتها في التعاطي مع ملفات المصالحة وتبادل السجناء، لاسيما بعد الجهود التي قامت بها لإطلاق مئات السجناء الفلسطينيين نظير إطلاق الجندي شاليط. ويرى الدكتور محمد صدقيان رئيس المركز العربي للدراسات الإيرانية في تصريح ل «الرياض» أن زيارة مرسي وإن كانت تندرج في إطار حضور قمة عدم الانحياز إلا أنها بالتأكيد سوف تبحث في العلاقات بين البلدين وستعمل على تأطيرها. أجندة طهران لهذه الزيارة يأتي على رأس الأجندة التي ترغب طهران في إمضائها خلال زيارة الرئيس المصري التاريخية إلى العاصمة الإيرانية إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ويتوقع أن يطلب الرئيس نجاد ذلك من نظيره المصري، إذ كانت إيران هي من بادرت بقطع العلاقة مع القاهرة على خلفية «كامب ديفيد» عام 1979، وبالتالي يفترض أن يكون طلب إعادة العلاقات صادراً منها ويترك للقاهرة القرار. وتلقي العقوبات الاقتصادية على إيران بظلالها في علاقاتها مع الدول لذا لن تتيح هذه الزيارة من عقد اتفاقيات تجارية بين البلدين. ويمكن ان تمر العلاقات بين الجانبين بفترات من جس النبض و»الاستمزاج» على المستوى الدبلوماسي إلى أن يصل الطرفان لصيغة مناسبة وفي هذا الجانب ستكون استشارة رئيس الديوان الرئاسي المصري محمد طهطاوي حاضرة وفاعلة وهو السفير السابق لدى طهران. إيران الشاه التي ربطتها بمصر الملكية علاقات نسب ومصاهرة تأمل أن تعود علاقتها مع مصر الجديدة بنفس مستوى الزخم الذي سبق إقفال سفارتها في شارع رفاعة، لكن اليوم لا يشبه البارحة.