بعد توقف قسري استمر لأكثر من عام، عادت مجلة الطريق الى الصدور بحلة تختلف عن السابق من نواحٍ عديدة. العدد (صفر) الذي صدر من المجلة التي يرأس تحريرها الزميل طانيوس دعيبس سيكون له تأثير قوي بين الأوساط الصحافية والفكرية اللبنانية والعربية. فالمجلة التي داومت على الصدور طوال ما يربوا على النصف قرن في أحلك الظروف وأشد الأزمات، توقفت في العام 2004 لأسباب كثيرة تتجاوز السبب المادي، لتتحول اليوم الى مجلة تنشد المعاصرة الفكرية والثقافية وتعتمد المناهج النقدية الحديثة في تناول الظواهر السياسية والفكرية والثقافية التي تنوي تفريغ نفسها لعرضها بأسلوب نقدي ليبرالي يخلو من العصبيات الأيديولوجية. ويؤسس لعالم جديد من الأفكار التي لا تهدف الى إلغاء الآخر بل الى التحاور معه على قاعدة وجودية تجمع الجميع. في الافتتاحية التي بدأت فيها المجلة عددها الصفر، ثمة الكثير من الإشارات الى الوجهة التي تسعى المجلة أن تسير باتجاهها. وهي ذاهبة - بحسب الافتتاحية - نحو تكريس الديمقراطية والتبشير بها كعنصر أساسي ونهائية للتغيير، إذ تختم الافتتاحية بأن المشهد العربي «ينقصه الديمقراطيون. التغيير تنقصه الديمقراطية. التغيير يحصل بالديمقراطية» بعد أن عرضت أوضاع العالم العربي بمنهجية مكثفة، بسبب حجمها الذي وسع الصفحة الأولى فيها. فالحديث «عن التغيير يملأ العالم العربي، حتى الغارقين في سلفيتهم - أياً كانت جذورها - يكاد لا يخلو خطابهم من تعبيرات التوق الى مغادرة الواقع المأزوم الذي ترزح مجتمعاتنا العربية تحت وطأته» ولكن المشكلة «ليست في جهوزية المغادرة إنما في وجهة المسير». وهنا تطرح المجلة أسئلة من النوع التوجيهي لا التشكيكي في البرامج والسياسات، كالسؤال الداعي الى معرفة وتقييم الذات قبل الولوج في أية خطة تغييرية «في أي اتجاه يجب أن يتم العمل من أجل التغيير؟ وما هي الأدوات الواجب والممكن استخدامها لتحقيق هذه الغاية؟ وأية مشاريع ستكون قادرة على إقناع الناس بتبنيها؟ ومن هي القوى المرشحة لصياغة الأفكار والخطط والبرامج ؟» وكل هذه الأسئلة مطروحة بالطبع بعد حالة التقوقع التي دخل إليها العالم العربي بسبب فضل العديد من السياسات والأفكار التي كانت مطروحة منذ عصر النهضة في بداية القرن المنصرم وحتى يومنا هذا، وما وصلنا اليه، خاصة «منذ سقوط جدار برلين، وبعده حيث انتشرت الأصوليات بشكل غير مسبوق، وعادت الى الطوفان فوق سطوح المجتمعات كل انواع الإنتماءات دون الوطنية: إثنية وعرقية وطائفية ومذهبية ومناطقية وعشائرية» الى طغيان «أنواع من العولمة تكاد تلغي كل الحدود» وكل هذا تفاقم «بعد سقوط برجي التجارة في نيويورك 2001» إذ أفلت بسبب ذلك «وحشان حقيقيان من عقالهما وكأنهما في غابة : وحش الرأسمال الذي استخدم العولمة لمزيد من القهر باسم الحداثة، ووحش التخلف الذي استخدم الدين لمزيد من التدمير المادي والروحي باسم المقاومة». هذا العدد الجديد من الطريق خرج الى العلن بمساهمات من كتاب ذوي شأن في لبنان والعالم العربي. منهم، الدكتور سناء أبو شقرا، والدكتور جابر سليمان والمفكر كريم مروة والدكتور محمد علي مقلد وجميعهم تناول قضايا ساخنة مثل الانتخابات في لبنان والانتخابات في العراق والانتخابات في فلسطين الى مقال للمصري نبيل زكي حول كسر هيمنة الحزب الواحد في مصر. كما كتب الدكتور نصر حامد ابو زيد حول الدين والمستقبل والدكتور جيروم شاهين حول إصلاحات الكنيسة وإخراجها من المفهوم الطائفي المستعر وأيضا الباحث المغربي كمال عبد اللطيف بمقال تناول فيه جوانب التحديث السياسي في العالم العربي. وساهم رئيس التحرير طانيوس دعيبس بمقالة تناولت الإعلام والمواطنة في النموذج اللبناني المركب طائفياً. والكاتب اللبناني المقيم في باريس فيصل جلول حول الخيار الديمقراطي في العالم العربي وكذلك الباحثة وفاء شعبان حول إشكالية تحرير المرأة في العالم العربي. وحوى القسم الثقافي من العدد مقالاً للناقد المسرحي عبيدو باشا حول تجربة المسرحي اللبناني الفرنسي جورج شحادة بعنوان الهجرة الى دواخل الذات وفصل قصير من كتاب المفكر الفرنسي إريك رولو «عالم بوش السري».