مئتا مسلسل يعرض على الشاشات العربية هذا الرمضان هل تصدقون هذا؟! مع كل ثورات الربيع العربي الناجحة والفاشلة والتي مازالت تنتظر، ومع انتشار المد الديني وتبوؤ التيارات الاسلامية ارفع واعلى المناصب في تلك البلاد.. مع المجازر الدائرة على ارض سوريا وجد القائمون على صناعة المسلسلات والبرامج الرمضانية فسحة بل فسحات من الوقت والمكان والقوى البشرية والمادية لصناعة ما يقارب اربعة اضعاف الانتاج الدرامي المعتاد في مثل هذا الوقت من كل عام.. لا.. بل وكذلك المتابع لنوعية هذه الدرامات يجد التنوع بلغ غاية حدوده بل وتجاوزها ايضا، وعلى الرغم من اني كنت قد اتخذت قرارا صارما بعدم متابعة اي مسلسل خلال شهر رمضان المبارك والتزمت ما وسعني بهذا القرار الاعوام الماضية، الا ان الاجتياح غير المسبوق وطغيان الدراما التلفازية على كل القنوات التلفازية ومواقع النت جعل من الصعب تفادي متابعة مسلسل واحد على الاقل.. فإذا كان هذا حال من قرر عدم متابعة المسلسلات فكيف بمن تعود على متابعة واحد او اثنين اكاد اجزم بانه الآن يتابع مكرهاً اربعة او خمسة مسلسلات.. دراما هذا العام تشبه السرطان جاءت لتبقى، قررت ان تتوغل وان تنتشر وان تسيطر بطريقة غير مسبوقة حتى على من هم خارج السيطرة - او كانوا يظنون انهم كذلك - طبعا انا لا اتحدث عمن يعيش بلا تلفاز اوانترنت فهؤلاء ان وجدوا على كل حال قليل.. اذن ما الداعي لكل هذا؟ وما السبب في هذا الاجتياح الدرامي المجنون؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات او بالاحرى كيف في هذا التوقيت بالذات؟ فالمعروف ان الانتاج الدرامي امر ليس عشوائيا يمكن ان ينسب ظهوره الى الظروف والفوضى بل هو أمر مرهق يحتاج الى سلسلة طويلة من الاعدادات التي تستغرق زمنا كبيرا ما بين كتابة النصوص وتحديد من سيخرجها ومن سيؤدي ادوارها ومواقع التصوير وساعات تمر وايام وشهور والعمل قائم على قدم وساق مستنفر بكل من فيه امام او خلف الكاميرات.. فكيف اتفق لجيش «الدراميين» واغلبهم من مصر وسوريا ان يجدو بيئة سهلة ينجزون فيها كل هذا الكم من الدراما.. ومثل الدراما استفحلت وتضخمت الى حد مخيف برامج الطهي وصناعة الطعام حتى باتت زميلة اضافية في مواقع العمل - على حد تعبير احدى زميلاتنا - وعضو مهم من افراد الاسرة لابد من الجلوس اليه والاستماع الى حكاياه في كل نهار ساعة او ساعتين.. يا الله..! متى اذن نعيش رمضان..؟ أقصد رمضان الذي اراده الله لنا.. رمضان الذكر والعبادة والطاعات وقراءة القرآن؟ طيب تعالوا نجرب تجربة صغيرة.. واليوم هو ليلة السابع والعشرين من الشهر الفضيل ماذا لو اغلقنا هواتفنا وتلفازاتنا وشاشات حواسيبنا لهذا اليوم فقط لنستعين على انفسنا بيوم رمضاني خال من الملهيات، ماذا لو غادرت السيدات مطابخهن هذا اليوم وأطفأن الموقد واتفقن مع افراد الاسرة ان يكون طعامهم اليوم بسيطا خبز وجبن مثلا.. وهل هو كثير لو أعطينا رمضان يوما واحدا فقط يكن قصرا عليه من ألفه الى يائه؟! انها تجربة جميلة جدا لا يقدر عليها الا القليل ولا يتقنها بلا ضجر الا الاقل ولا ينال اجرها الا من يشاء الله.. كل عام وانتم بخير.. رمضان الكريم يوشك ان يغادر والعيد يحسر وجهه رويدا رويدا ليهل علينا بعد ايام.. عيدكم مبارك وجعلنا الله واياكم من عتقاء هذا الشهر الفضيل..