كنت ألاعبها تارة وتلاعبني تارة أخرى وبين فينة وفينة آخذها للاستحمام لأغير لها ملابسها وأمشط شعرها وأجدّل لها ضفائرها ومن ثم أضعها في حجري لتخلد لنوم هادئ ورضاعتها في فمها. وفي حال إيقاظي لخدمة زوجة أبي ترافقني تلك الطفلة حيث ما كنت فهي تنسيني همومي وتؤنس وحشتي بل معها أستعيد أحلامي وتتجسد براءتها في يقظتي ومنامي. هكذا هي حالي وأحوالي لسنوات مضت مع دميتي البلاستيكية حتى جاء يوم من أيام سنيني العجاف لأفاجأ بطوفان شوق الأمومة الحقيقية وهو يجتاح خوالجي دون أن أشعر ليرتفع بارتفاع أمواجه العاطفية صوتي مدوياً بأرجاء منزلنا صارخة «واظلماه ».. إلى متى وأنا عانس أريد طفلاً من روحي، أريد طفلاً من دمي، إلى متى وأنا جسد يتحرك بلا روح، لأجد بعدها زوجة أبي الشريرة تقف بجواري قائلة وهي تنهرني اخفضي صوتك ما بك هل أصابك مس من الجن؟ لتقهقه بعدها ساخرة.. نسيت نحن في رمضان الجن مربط.. سأخبر أباك بشناعة تصرفك هذا، وما هي إلا لحظات ليصل أبي ومعه أحد أخوتي وقد اكفهر وجهه غضباً قائلاً: «لم يبق منك إلا أن تنادي أريد زوجاً» ليستطرد بعدها بكلام جارح كأنه سلاسل من جهنم تتكبل فيها أنفاسي حزنا وبؤساً مختتماً سامحه الله إساءته لي بتمزيق مسامعي بمثله الشعبي الدارج «والله إن يبلى التراب ويشيب الغراب» وأنتِ لم تتزوجي إلا بمن أريد وسيبقى راتبك لي ما حييت وعندما هم بالانصراف أسمعته زوجته بخبثها المعهود كلاما موجها لي وهي تقول: ما قلب راسك إلا ها اللعبة وهي تقصد بذلك تلك الدمية التي ترافقني لعدة سنوات كنديمة لي أو طفلة أتخيل أنها ابنتي ودون سابق إنذار انقض عليّ أبي آخذاً مني دميتي حالفاً بجهد ايمانه أن يمزقها لأنه تذكر ضحكها وبكاءها الذي يستفز أعصابه ويؤذي مشاعره بل قد يثير شكوكه، وهنا تدخل أخي لنزع بطاريتها لضمان إسكاتها وإيقاف سلوكها المشين في نظره لأنهزم بعدها بدموع جرحت آلامها مقلة عينيّ، فبالأمس بكيت موت أمي واليوم أبكي موت ضمير أبي. أخي خالد.. أنهي مكالمتي معك التي جاءت لكونك أحد المهتمين بالشأن الاجتماعي والوطني وأنا لا أعلم أين سيتجه بي قارب الحياة مستقبلاً.. وداعاً. عزيزي القارئ: من معترك الحياة اليومي أنقل لك تلك الصورة المأساوية التي تمخضت بها ظاهرة العنوسة الأشد ضراوة على مجتمع يفترض أن يكون الأكثر التزاماً بالقيم الاجتماعية والمبادئ الشرعية الصحيحة لاعتبارات معلومة، ولكن ها هي الجاهلية الأولى تجدد تربتها وتعود لنا لتئد مشاعر إنسانية لفتاة سعودية عانس مسلوبة الإرادة حتى وإن كانت تلك المشاعر متبادلة مع فتاة بلاستيكية المحتوى صينية الصنع. فهل شاركتني أيها العزيز في إيجال الحلول؟ مقترح: أقترح إنشاء حقيبة وزارية تسمى «وزارة الأسرة» توظف جميع امكاناتها لخدمة الأسرة السعودية ما قبل تكوين البناء الأسري وأثناءه وعند اكتماله، بل وما بعد هذه المرحلة من انهيارات قد تقع بسبب الوفاة أو الطلاق أو المخدرات أو الأمراض النفسية والعضوية أو الظروف المالية أو الظلم الذي يعد أحد روافد ظاهرة العنوسة. أهمية التنسيق: لو وجدت مثل هذه الوزارة فإن آلية التنسيق تعد عصب عمليتها الإدارية وبالذات فيما بينها وبين الأسرة والمجتمع مباشرة وبينها وبين الجهات الرسمية المختصة وبينها وبين القطاع الخاص حتى فيما بينها وبين الجهات المهتمة بالشأن الأسري خارج حدود الوطن. وقفة: أين حكم القضاء الشرعي من ظاهرة العنوسة؟ هل ننتظر خروج فتاة سعودية من قمقمها الاجتماعي لتصل إلى منصة القاضي مستغيثة به لتعود في نفس اليوم إلى منصة مقصلة جلادها؟ أم الأفضل خروج حكم القاضي بهيبته ومهابته ليصل إلى الجلاد في عقر داره مخلّصاً بيئته الأسرية من تلوث فكره الجاهلي؟ أم لا هذا ولا ذاك سنبقى في ظل الأنا وحب الذات والبيوت أسرار كمبرر غير منطقي أو سننتظر ولادة ظاهرة جديدة هي ظاهرة «جرائم الشرف»؟ همسة تاريخية: أيام رمضان المبارك عبر التاريخ الإسلامي تحتل المركز الأول في أيام الله بكل أمر هو خير للمسلم قد يكون لتصفيد الشياطين فيه دور بذلك. فما رأيكم ؟ هي فرصة لنا لحل قضايانا وبالذات ما يعد ظواهر منها خصوصاً ظاهرة العنوسة، فهل تحركت الجهات الرسمية والشعبية لفك القيد عن معاصم حرائر أدماها ظلم رجل يرفع أنفه للسماء في تعامله مع المرأة دون معرفة المبرر لهذا السلوك، هل هي غطرسة منه أم هي حركة طبيعية لتأففه من رائحة إبطه؟ والله من وراء القصد.. * ماجستير في العلاقات الإنسانية