تقول شركة أرامكو إن الفرد السعودي هو الأكثر استهلاكاً للبنزين في العالم؛ حيث يقدر استهلاكه السنوي بحوالي ألف لتر، بينما معدل زيادة الاستهلاك المحلي يصل إلى 6% سنويا. وتؤكد معلومات اخرى أن استهلاك الفرد السعودي للطاقة الكهربائية عالٍ جدا. والطاقة الكهربائية لدينا منتج يعتمد على مشتقات النفط. كما تشير بعض الدراسات إلى أن زيادة الطلب المحلي على الطاقة بحلول عام 2028 سيرتفع الى أكثر من 8 ملايين برميل يوميا.. ما يعني أن معظم الانتاج من النفط سيتم استهلاكه محليا!! استنزاف ثروة ناضبة بهذا المعدل الخطير يجب ان يدق ناقوس الخطر. فالنفط لن يدوم إلى الأبد.. كما ان استنزاف المياه سيجعل الامر شاقا على أجيال ستفقد أهم مقومات الحياة: الطاقة والمياه. وفي مجال المياه تذهب بعض الدراسات إلى أن معدل استهلاك الفرد السعودي يصل الى 300 لتر يوميا. وهي أعلى نسبة عالميا. وليست أزمة المياه في بعض المدن السعودية إلا مؤشرا خطيرا على الفجوة بين المنتج والمستهلك الذي ينمو بشكل كبير سنوياً. كما يرى البعض أن المدن السعودية من أكثر المدن توسعاً في البناء الافقي ما جعل مدناً كانت متوسطة المساحة قبل عقد تمتد لتتجاوز أبعادها المائة كيلومتر. ما شكل ضغطا على خدمات يصعب مواجهة متطلباتها في امتدادات صحراوية شاسعة. أما بالنسبة للاستهلاك الغذائي فتشير بعض المعلومات إلى أن السعوديين ينفقون 40 مليار دولار سنويا على المواد الغذائية.. أما في شهر الصوم الفضيل فيقدر متعاملون في تجارة وصناعة المواد الغذائية أن السعودية تستهلك ما مقداره 10 مليارات دولار لتقفز كأكثر الدول عالميا استهلاكا للمواد الغذائية خلال شهر واحد. أما في قطاع السيارات فتشير التقديرات إلى تصدر السعوديين قائمة شراء السيارات الفارهة فقد أعلنت شركة "أودي" الألمانية تحقيقها أعلى مبيعات خلال النصف الأول من عام 2012 منذ دخولها منطقة الشرق الاوسط، وأرسلت شركة "أودي" إجمالي 4 آلاف و274 سيارة إلى المنطقة في النصف الأول من 2012، أما السيارات الأكثر رفاهية، فإن شركة "رولز رايس" أعلنت ان مبيعاتها في الشرق الأوسط ارتفعت بنسبة 22% في النصف الأول من العام، حيث حصلت السعودية على نصيب الأسد من تلك المبيعات. أما السيارات الاخرى فحدث ولا حرج.. ولعل متوسط عمر السيارة في السعودية يقدم مؤشراً على حجم الاستهلاك السنوي المتزايد.. حتى ضاقت شوارع المدن الكبرى على رحابتها.. وأصبحت الاختناقات المرورية سمة يومية مهما اتسعت الطرق، وتعددت الانفاق وبنيت الجسور. لا أعرف كم نقتني سنويا من أجهزة التلفونات المحمولة التي تطور منتجاتها كل يوم. لا أعرف كم نستهلك من اللحوم الحمراء أو البيضاء حتى أصبحنا مستوردا شرها للحوم من كل مكان في العالم.. لا أعرف كم هي الزيادة السنوية في اطنان الارز الذي يستهلك محليا.. واذا استمرت وتيرة الاستهلاك والهدر والاستخدام على هذا النحو ربما نعجز عن تلبية احتياجات لابد منها. أما المعالجات فلا زالت متعثرة رغم المسكنات والمحاولات والوعود التي لم تُحل دون نمو الاستهلاك والاقتناء والهدر. السؤال: الى أين سنمضي إذا استمرت هذه الوتيرة المفزعة في زيادة استهلاك المقومات الأساسية للحياة في بلادنا؟ ماذا سيكون مصير الاجيال القادمة بلا نفط أو مياه.. وهما عماد حياتنا ومصدر البقاء؟! لكن أيضا لابد من الاعتراف بأننا أيضا منتجون.. فنحن ننتج كثيرا من الكلام واللت والعجن.. "تويتر" وأخواتها أصبحت تشكو من حجم الانتاج السعودي المتعاظم في التغريدات العابرة للقارات.. نحن الأكثر انتاجاً للصراعات القديمة ونبش الماضي البعيد.. واستدعاء الإحن والمحن من أضابير التاريخ.. واستدعاء الطوائف والمذاهب في صراعات لا تخدم سوى الفرقة والتأزيم.. نحن الأكثر استهلاكاً للوقت في صراعات هامشية لا تقدم منتجا يسد رمقا، ولا خطوة تحقق مطلبا، ولا توجهاً يعالج ثغرة في فم الزمن الجائع لكل شيء. كما أننا من بين الشعوب الأكثر تناسلًا وفق المعدلات العالمية في بيئة تشكو الجفاف وندرة المياه وقسوة الطبيعة.. نحن الأكثر إنتاجا للتمور التي تستهلك ما تبقى من مياه حتى لو تم تصديرها للخارج أو قدمت اعانات لدول المجاعة في جنوب الصحراء الأفريقية.. ألم نصدر المخزون الاستراتيجي من مياهنا الشحيحة في الثمانينيات عبر سياسات زراعة القمح تحت دعاوى أن المملكة يجري تحتها نهر عظيم يعادل تدفق النيل لمدة 500 عام؟! واليوم تتوالى مهمة استنزاف ما تبقى من المياه في مزارع الاعلاف والابقار. تفخر بعض الشركات السعودية لإنتاج الالبان والعصائر في تصدير منتجاتها لدول الجوار، وهي في الحقيقة تصدر مياهنا الشحيحة.. فإنتاج لتر حليب واحد يتطلب 100 لتر من المياه. نحن الاكثر إنتاجا للقروض الاستهلاكية التي بلغت 227 مليار ريال وبلغت نسبة المقترضين السعوديين 92%، حتى لتشك اليوم ان هناك مواطناً سعودياً لا يرزح تحت دين قد لا يحتاجه لولا تلك الثقافة الهشة التي تجعل الاستهلاك سمة مجتمع لم يعد يبالي بحجم استنزاف موارده المحدودة. كما أننا الاكثر إنتاجا للحوادث المرورية فقد سجلت السعودية أعلى نسبة وفيات في حوادث الطرق على المستويين العربي والعالمي، حيث وصل عدد الوفيات إلى 49 وفاة لكل 100 ألف من السكان في عام 2009، أما في عام 2010م فقد ارتفع المعدل ليصبح 51 وفاة لكل 100 ألف مواطن من السكان، ويواصل المعدل ارتفاعه في عام 2011 ليبلغ 54 وفاة لكل 100 ألف مواطن من السكان. الحقيقة التي لا يود أن يتذكرها كثيرون.. أن الجزيرة العربية لم تكن يوما بيئة جاذبة.. لقد كانت بيئة طاردة.. فمقومات الحياة شحيحة، والواحات القابلة للزراعة قليلة ومتناثرة.. والامطار نادرة، والطقس شاق والحرارة قاتلة...عاش أجدادنا في ظروف صعبة. لم تكن الهجرات المتوالية لبلدان الجوار حيث إمكانية الحياة أمرا نادرا بل كانت القاعدة لأن القادرين على الكسب ليس لهم سوى الضرب في الأرض البعيدة.. وإذا كانت مصر هبة النيل.. فإن هذه المنطقة هبة النفط. الذي جعلها مأوى لكثيرين وأصبحت منذ تفجر هذه الثروة بيئة جاذبة تأتي إليها الجنسيات من كل حدب وصوب وتفد إليها الشركات، وتزدهر فيها التجارة وينمو فيها رأس المال. إلا أن استنزاف ثروة ناضبة بهذا المعدل الخطير يجب ان يدق ناقوس الخطر. فالنفط لن يدوم إلى الأبد.. كما ان استنزاف المياه سيجعل الامر شاقاً على أجيال ستفقد أهم مقومات الحياة: الطاقة والمياه. لازالت الفرصة متاحة لوضع هذين المقوّمين موضع الأولوية المطلقة للأمن الوطني.. الحلول ليست مستحيلة.. ولكنها لن تتأتى على طريقة دعوات الترشيد ووصاياها.. وبين استهلاك متعاظم لموارد ناضبة، وبين إنتاج غير عاقل لمفاهيم وأنماط وأساليب للحياة.. سيطل جيل على الحياة بين مطرقة مقومات منحسرة.. وسندان استهلاك يفغر فاه.. فاقرعوا الجرس طويلًا لعله يوقظ الأحياء النوّمَ!!.