(لماذا باؤهم تجر وباؤنا لا تجر) بهذا التساؤل واجهت الناشطة الاجتماعية والمهتمة بالشأن السياحي في المملكة بتول محمد العامر ما أسمته تسرب السائح السعودي إلى خارج حدود وطنه للسياحة، وابتعاده عن السياحة الداخلية. بتول تناقش في حوارها مع (الرياض) العديد من الأمور المتعلقة بالسياحة، فإلى نص الحوار: إذا أبقينا الفلاح في مزرعته والبدوي في خيمته خلقنا بيئة سياحية غير مصطنعة مقوماتنا غنية. *(الرياض): كيف ترين مقومات السياحة في المملكة ؟ - العامر: إذا نظرنا إلى الواقع السياحي في المملكة نجد أن وجهات السياح إلى الخارج تتجه إلى دول منها على سبيل المثال ماليزيا وسيريلانكا، وبالنظر إلى المقومات السياحية الموجودة في هذه الدول لا نجد أنَّها تتفوق على المملكة لا من حيث المقومات الطبيعية ولا البشرية. *(الرياض): إذاً لماذا يتجه السائح السعودي إلى مثل هذه الوجهات؟ - العامر: من خلال رحلتي إلى إحدى دول شرق آسيا مؤخراً تعرَّفت على إجابة هذا السؤال الذي طالما حيَّرني، وهي تكمن في بساطة المنتَج السياحي المعروض للسائح، ما يجعل المنتَج يحتفظ بطبيعته ونكهته ولا يفقد رونقه التاريخي و لحضاري، كما أن بساطة المنتَج السياحي نفسه وبساطة العرض هو الذي يجذب السائح ويجعله يرفع كاميرته ليلتقط صورة تذكارية لرجل بسيط جالس على الأرض بملابسه الشعبية يقطع لحاء الشجر عن غصن شجرة ليشرح للسائح طريقة استخراج الدارسين (القرفة). وأود أن أضيف أن بساطة المنتَج السياحي هي التي تجعل السائح يدخل إلى مسرح بسيط ويشاهد عرضا مسرحيا بسيطا بكل مقاييس العرض المسرحي. في سيريلانكا جعلوا من محصول (الشاي) مساراً سياحياً وبامكاننا تحويل بيئة النخيل إلى سياحة ليست وليدة. *(الرياض): هل أنتِ مع من يقول أن سياحتنا وليدة؟ - العامر: السياحة في بلادنا الغالية لم تعد وليدة، بل بلغت سن الشباب والنضج، إلا أن كل ما تحتاج إليه هو عرض المنتج السياحي بمشاريع سياحية فاعلة تتسم بالبساطة في الإنتاج والعرض، دعونا لا نُخرج الفلاح من مزرعته ونبعده عن نخلته، ودعونا لا نُبعد البدوي عن خيمته وإبله ونضعهما في معارض تضج بالأنوار الخاطفة البرّاقة ونسمّي ذلك مهرجاناً أو فعاليّة، لماذا لا يُعرَض المنتَج السياحي داخل بيئته الطبيعيّة فنخلق بيئات واقعيّة تكوّن مساراً سياحيّاً جاذباً. عمل الفلاحين يمكن توظيفه كعنصر سياحي لنخلق مسارات. * (الرياض): وكيف لنا أن نخلق مسارات سياحية جاذبة ؟ - العامر: من البيئة الزراعيّة يمكن تكوين مسار سياحي يسير فيه السائح داخل مزرعة نخيل، يتعرَّف على هذه الزراعة العريقة في بلادنا الحبيبة (بلد النخيل)، ويتعرَّف على متعلّقاتها في بيئتها الحيّة، وما فيها من تجارب يمكن أن يمارسها السائح مثل (صعود النخل) و (الصّرام)، ويُلحق بهذه البيئة جلسات ومقاهي تُقدَّم فيها أنواع التمور، والمأكولات الشعبية، كما يُلحق بها محل أو محلات تجارية تبيع منتجات تعتمد على النخيل، ومن البيئة البدويّة يمكن خلق مسار يتعرَّف فيه السائح على حياة البداوة العريقة ويشم رائحة تحميص القهوة و يتذوَّق حليب (الخلفات) ويجرّب ركوب الإبل. فالمطلوب هو عرض المنتج السياحي في بيئته الطبيعيّة بصورة خلاَّقة تجذب السائح (المواطن والمقيم) دون أن يشعر أن جيوبه هي المستهدفة بل يشعر أنه ضيفٌ كريم له حريّة الاختيار. تناغم فريد لعناصر الطبيعة في مزرعة بالأحساء هكذا نجح غيرنا. *(الرياض): وهل لك أن تطلعينا على مثال واحد على نجاح الآخرين سياحياً لنقترب من الصورة أكثر؟ - العامر: في سيريلانكا جعلوا من محصول (الشاي) مساراً سياحيّاً، فإضافة إلى أن هذه الصناعة تعد عصب الصناعات لديهم، فقد حولوا مصانع الشاي إلى مسارات سياحيّة دون بهرجة، حيث يتجوَّل فيها السائح مع مرشد سياحي دون رسوم دخول أو حتَّى الدفع للمرشد الذي يشعرك أنه فخور بامتهان هذا العمل لتسويق حضارة بلده، ثم ينتقل السائح إلى المقهى حيث يتم ضيافته بكوب من الشاي مجاناً، و من ثمَّ يكون له الخيار بالشراء من أنواع الشاي المعروضة في المتجر البسيط الملحق بالمشروع، كما يوجد لديهم مسار آخر للسلاحف (مزرعة السلاحف) وهو مشروع حكومي يهدف لحماية السلاحف من الانقراض. الاستثمار السياحي. طبيعة خلابة تمتلكها كثير من مناطق المملكة * (الرياض): وما الذي يمكن قوله للمستثمرين في قطاع السياحة ؟ - العامر: نريد من المستثمر السعودي أن يدخل في مجال الاستثمار السياحي دون أن يفكّر في رأس مال ضخم يخاف عليه من الضياع، أو أن يفكّر في العائد الربحي السريع، وأن يُدرك أن الاستثمار السياحي سلعته (ميراث أمّة). أمنيات. *(الرياض) ما الذي تحمله السياحة من مفاهيم ؟ - العامر: أريد أن تحيا أمام ناظري حياة الأجداد كما لو كانوا بيننا، وأريد لأبنائي أن يتعلّموا تراثهم في بيئات طبيعيّة دون القراءة عنه في الكتب فقط.. أريد لأبنائي أن يتعرَّفوا على حضارة بلادهم في مسارات سياحيّة تدخل بهم إلى أروقة المصانع ومزارع الألبان و غيرها، دون أن تقتصر هذه الرحلات على رحلات مدرسية قد تكون أو لا تكون.. وأخيراً فإذا كانوا قديماً قالوا (إنَّ حمامة الحي لا تطرب)، فنحن نستطيع أن نجعلها تطرب بحسن الإصغاء و الاستماع والاستمتاع. * (الرياض): ومن يحمل مسؤولية النهوض بالسياحة لدينا؟ - العامر: لا بد لنا أن نتفق على أن المنتَج السياحي ليس كرة يتقاذفها شركاء الهيئة العامّة للسياحة والآثار، ثم إذا ظهر ذلك المنتَج غثّاً رديئاً، جعل كل منهم يركل الكرة ليضعها في مرمى الآخرين ويتخلّى الجميع عن تحمّل مسئوليّة الخطأ الحاصل، وتبقى الهيئة العامّة للسياحة والآثار هي الملام الأول والأخير، فالجميع شركاء والمطلوب الاتزان والإنصاف سواء من السائح نفسه، أو من مقدّمي الفعاليّات السياحيّة. جبل القارة مفردة جميلة في قاموس السياحة همسات. * (الرياض): همسة سياحية أخيرة، لمن توجهينها؟ - العامر: لدي عدة همسات، واحدة في أذن السائح السعودي أقول له كن سائحاً في وطنك كما تكون سائحاً في خارجه، فكل منتج سياحي وكل مسار يحمل في طياته تاريخا و حضارة، وإنصافك لهذا المنتَج هو إنصاف لتاريخنا وحضارتنا وتراثنا وشخصياتنا وعزّتنا وانتمائنا لهذا الوطن الحبيب، وكن داخل وطنك مجاهداً مدافعاً عن تراثك ووجودك وكيانك،لأنَّك إذا لم تتمتع بالرضا والتسامح فإنَّ كل منتَج يُقدَّم لك سيبقى دون المستوى، فالاتزان والإنصاف مطلوب. التعامل ببساطة مع عناصر بيئتنا المحلية عامل نجاح لسياحتنا مسؤولون أمريكيون يشاهدون صانع الفخار