ها قد بدأ شهر رمضان، شهر القرآن شهر الصوم، شهر الرحمة، شهر الغفران، شهر العتق من النيران. أيامه معدودة وساعاته محدودة، تمضي سراعا وتنقضي تباعا. شهر يتطلب من أطفالنا لصيامه استعدادا إيمانيا وتهيئة نفسية وإعدادا جسديا، لكي يستقبلوا هذا الزائر الكريم وهذا الضيف الحميم. ولنا هنا وقفة مع الطفل وصوم شهر رمضان المبارك وخاصة الأطفال ذوي الأمراض المزمنة والذي قد يعوق مرضهم صيام شهر رمضان. تهيئة الطفل لصيام شهر رمضان المبارك: يحتاج الطفل الذي يود صيام شهر رمضان المبارك الى تهيئة نفسية مبكرة وخاصة إذا كان هذا هو عامه الأول للصيام، حيث أنه يجب على الأب أو الأم أن يُمهِّدا للطفل الأمر، فيسألانه أولا عن رغبته في صيام هذا الشهر في هذا العام، ويسألناه مثلا هل لك أصدقاء سيصومون معك هذا العام أو يودون صيامه ويمكن أن يذكرانه بأحد أقربائه الذي يود البدء بالصيام هذا العام وفي ذلك تشجيع وترغيب في صيام هذا الشهر الكريم. مع ذكر أهمية صيام شهر رمضان ومشروعيته وفوائد ذلك والحكمة من ذلك. وفي ذلك إقتداء بما كان يفعله الصحابة - رضوان الله عليهم - مع صغارهم، فعن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها - قالت أرسل رسول الله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة «من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليصم بقية يومه» فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن (الصوف) فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها ذلك حتى يكون عند الإفطار، كما أجمع العلماء أنه لا تلزم العبادة والفرائض إلا عند البلوغ ولكن أكثر العلماء استحسنوا تدريب الصبيان على العبادات رجاء البركة وأن من فعل ذلك منهم مأجور ولأنهم باعتيادهم عليها تسهل عليهم إذا لزمتهم. التدرج الزمني والعددي في الصيام: لعل أهم خطوة للمبتدئين من الأطفال في الصيام هو التدرج الزمني والعددي والمقصود بذلك التدرج بعدد ساعات الصوم من ثلاث ساعات مثلا إلى ستة ساعات الى اليوم بأكمله وكذلك التدرج العددي أي صيام بعض الأيام وإفطار البعض الأخر منها حتى يتم تدريجيا صيام الشهر بأكمله عددا ومدة. ولو نظرنا إلى الحكمة من عدم تصويم الطفل كامل اليوم من الناحية الطبية والعلمية فقد تكون قلة المخزون السكري في الكبد، فكما هو معلوم أن السكر يخزن في الكبد على شكل سكريات معقدة تسمى الجلايكوجين والتي تتحلل بشكل تدريجي أثناء الصوم الى سكريات بسيطة تمد الجسم بالطاقة اللازمة. ولكن المخزون السكري أو الجلايكوجين محدود في كبد الطفل الصغير ويزداد قدره بزيادة حجم كبد الطفل مع تقدم العمر وكبر سن الطفل. ولذلك يستطيع الشخص البالغ الصيام دون أن يصاب بنقص السكر مقارنة بالطفل الصغير، كما أن قدرة الطفل على تحويل المواد غير السكرية إلى سكرية والتي تعرف باسم الجلونيوجنسيس أيضا محدودة وذلك لمحدودية المواد غير السكرية لدى الطفل والتي أهمها المواد الدهنية والبروتينية. فكل هذه العوامل الفسيولوجية تجعل الطفل أقل قدرة على صيام الشهر بأكمله ولكن لا تمنع الطفل بالصيام التدرجي والتدريجي. العمر التي يستطيع عندها الطفل، تحمل الصيام: في الواقع أنه ليس هناك عمر معينة يستطيع الطفل بتجاوزها الصيام، فيعتمد ذلك على بنية جسم الطفل وسلامته وصحته، ولكن بصفة عامة يمكن للطفل البدء بالصيام والتعود عليه، التعود التدريجي المتقطع بين سن السابعة والعاشرة، فإذا ما تجاوز العاشرة أو تجاوز سن البلوغ أمكنه الصيام كامل اليوم. مؤشرات يجب التنبه لها أثناء صيام الأطفال: يجب على الوالدين مراقبة الطفل الذي ينوي الصيام وإن كان صيامه محدود الساعات. فيجب التنبه إلى علامات انخفاض السكر وكذلك علامات الجفاف. ومن علامات انخفاض السكر الشعور بالتعرق والارتجاف والخفقان والإعياء والتعب والجوع الشديد. وكل هذه مؤشرات يجب بموجبها وقف الصيام وعدم الاستمرار فيه. ومن علامات الجفاف المعروفة جفاف اللسان أو جفاف العين او قلة التعرق وكلها علامات يجب التنبه إليها والتبؤ بها قبل حدوثها لإيقاف الصيام. وقد لايكون هذا العام هو العام الأنسب للبدء بصيام الأطفال الصغار كونه شديد الحرارة وطويل المدة مقارنة بالأعوام التي تليه. طعام الإفطار وطعام السحر: لاشك أن تعجيل الإفطار وتأخير السحور هما سنة أمر بها رسولنا الكريم حيث قال صلى الله عليه وسلم : «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور» ولعل أهمية هذا الأمر الديني تظهر وتتجلى لدى الأطفال بصورة أكبر. فالطفل ملزم بتأخير طعام السحور، وخاصة إذا نوى صيام اليوم بأكمله حتى لا يصاب بانخفاض السكر وكذلك الأمر بالنسبة لتعجيل طعام الإفطار. كما يفضل أن يحوي طعام السحر السكريات المعقدة والتي تمتص بصورة أبطأ وتتحلل بصورة أطول موفرة بذلك نسبة مستقرة من السكريات الأحادية اللازمة لحفظ مستوى السكر طبيعيا. كما ينصح الطفل الصائم بعدم ممارسة الرياضة أثناء الصوم وأن تكون حركته طبيعية وغير زائدة عن طبيعته مما قد يعرضه لانخفاض السكر والإرهاق والعطش. كما ينصح الطفل كما ينصح البالغ بأن يكون طعام الإفطار محتويا على السوائل التي تعوض الطفل بالماء المفقود وكذلك العصائر التي تحوي سكريات تعوض هي الأخرى ما يحتاجه الطفل من طاقة. الأمراض المزمنة وصيام شهر رمضان: ينصح دوما الأطفال المصابين بالأمراض المزمنة مراجعة الطبيب المعالج قبل البدء بالصيام لإعطاء الرأي الطبي لهم بخصوص الصيام من عدمه. ومن الأمراض المزمنة مرض السكري والذي يحتاج الى ضوابط خاصة. ويجب على جميع المرضى الأطفال المصابين بالسكري العلم بأنه ليس هناك طريقة واحدة يستطيع الجميع اتباعها للمحافظة على السكر بالدم ولكن تختلف الإرشادات الواجب اتباعها باختلاف المريض واختلاف أوقات وكميات ونوعيات الأكل التي يتناولها وأنواع النشاطات التي يمارسها وغير ذلك من المتغيرات العديدة والتي تلعب دوراً مهماً في مستوى السكر بالدم لذا يلزم جميع الأطفال المصابين بالسكري والراغبين في الصيام مراجعة الطبيب قبل البدء في الصيام لمناقشة النظام العلاجي الغذائي والواجب اتباعه. وعادة ما يحتاج مرضى السكري من الأطفال الى جرعتين من الانسولين العكر طويل المفعول والصافي قصير المفعول قبل طعام الفطور وقبل طعام العشاء وذلك في الايام الاعتيادية. ولكن إذا اراد الطفل الصيام فغالباً ما ينصح بإعطاء الجرعة الأكبر من الانسولين والتي تعطى عادة قبل الإفطار (في الصباح) تعطي في شهر رمضان قبل إفطار رمضان أي قبل أذان المغرب ذلك لأن الطفل سوف يتناول كمية كبيرة من الأغذية أثناء وبعد إفطار رمضان. أما بالنسبة لجرعة الانسولين التي تعطى عادة قبل طعام العشاء في الأيام الاعتيادية فإنها تعطى قبل طعام السحور في شهر رمضان مع تخفيض الجرعة إلى النصف خاصة بالنسبة للانسولين العكر وذلك لأن الطفل سوف يكون صائماً خلال فترة عمل الانسولين العكر. وتحدد جرعات الانسولين بأكثر دقة بعد عمل تحليل السكر. * قسم الغدد الصماء والسكري