في أحد الاجتماعات نطق «فلتة الزمان وقرة عين أمه» هذا الذي نخاف عليه من العين والحسد قائلاً وهو يلوي لسانه بلكنة أمريكية مصطنعة متكلفة أمام جمع من بني قومه من متحدثي العربية بلهجة محلية:» أي شهادة دكتوراه من جامعة غير أمريكية لا أعترف بها» من الطبيعي أن يكون أول رد يخطر على بالك هو « صف على جنب يا نيوتن أنت وأنشتاين أو مين حضرة معالي طال عمر سعادتك علشان تعترف أو ما تعترف أو هي وزارة التعليم العالي شالت اعترافاتها للجامعات وتصنيفها وحطت وجهك الكريم واسم عيلتك وإحنا ما ندري!» لكن مخك إذا كان يعمل في تلك اللحظة فإنه سيفلتر كل تلك الردود وأخرى تتناسب مع حماقة قوله ويستبدلها بابتسامة تتجاهله كلياً لأن تجاهل الحمقى أفضل في هذه الأيام خاصة إذا ابتليتم بالتعامل معهم بشكل دوري وخاصة إذا اجتمعت الحماقة في مخ مقولب مغسول مع الإحساس المتعاظم بالذات مثل حالة صاحبنا الذي أدعو له بالشفاء وتنور البصيرة وأن يعرف أن هناك دولاً وحضارات أخرى وإنتاجاً أدبياً وعلمياً وفلسفياً لا تلتهمه مع قارورة كوكاكولا ولا سندويتش تشيز برقر، بل يمكنك أن تأخذه مع حبة سوشي أو شاي إنجليزي معطر أو قهوة عربية أو صحن كشري أو خبز نان أو قطعة كراوسون أو صحن باييلا أسباني أو الدجاج المشوي مع سلطة البطاطس على الطريقة الألمانية أو دجاج الساتي على الطريقة الماليزية أو كبسة أو جريش أو شاورما بالخبز التركي أو كأس ماء بارد بالكادي. كلام صاحبنا ذكرني بنظرة البعض المشوشة للتعليم، فمثلا تجد بعض الأمهات يفاخرن بإدخال أولادهن في المدرسة الفلانية فقط لأن قسطها عال أو لأنها موضة هذا العام وفي نفس الوقت لا تكلف نفسها هي والأب بمتابعة تحصيل أبنائهم العلمي ولا متابعة دروسهم، وتجد بعض المتعلمين في جامعات أجنبية يملكون نظرة خاطئة تجاه المتعلمين في جامعات أو كليات محلية مع أن الجودة العلمية هي نتيجة عوامل كثيرة وليست محصورة بالمكان فقط، وتجد البعض يسارع للتسجيل في قسم معين في جامعة معينة ويستخدم مليون واسطة وأخرى مثلا لأن هذا القسم له «برستيج» رغم أنهم غير مؤهلين لإكمال الدراسة فيه وقد يفشلون في الدراسة فيه فشلاً ذريعاً. الشهادات العلمية ليست شنطة «هرميز» أو « بوتيقا» أو « برادا» تتفاخر بها حين تحملها في المناسبات. والإنتاج العلمي الجيد ليس بسيارة «بنتلي» أو «بي إم دبليو» يخرج من مصنع واحد. وهذه النظرة المادية المتكلفة للشهادات العلمية والتعليم هي التي تصنع عنصرية وإنحيازاً واختيارات خاطئة تضر أكثر مما تنفع. والشهادة العليا هي مجرد بداية ومايأتي بعدها هو المهم وهو الذي تصنعه بخبرتك وعلمك وانتظامك واجتهادك وقدرتك على تطبيق ما تعلمته لا بالمكان الذي تعلمت فيه. الإنتاج العلمي الجيد يأتي حين تكون هناك بذرة صالحة يمتزج فيها العقل والمجهود مع التواضع والرغبة الصادقة في التعلم والإنتاج. بإمكانك أن تضع شخصاً في سيارة بي إم دبليو وبجانبه حقيبة بردا ونظارة تيفاني لكنه لا يعرف أصول القيادة ويتسبب في حوادث. وقد تنبهر بشخص سطر لك معلومات كثيرة عن الجامعة التي تدرب فيها، وأبهرك بلكنته المتقنة للغة لكنه في الحقيقة لا يريد أن يعمل وقد يصبح عالة عليك. لذلك عليك أن تتجاوز المظاهر والأوراق المصفوفة أمامك وتنظر للشخص جيداً وتقيمه حسب عمله وأدائه، فآخر ما نحتاجه هو العنصرية العلمية والتعصب دون النظر للجودة والأداء النوعي