يبدأ وضع حجر الأساس للعلاقة الزوجية باختيار الزوجة وموافقتها، والاختيار والموافقة يؤسسان على رغبة الطرف الأول(أولًا) ليقين من الزوج برغبته الأكيدة المبنية على حب للزوجة وفق معايير عديدة رسخت في ذهنه من حيث الجمال والخلق والأسرة ومعايير اجتماعية واقتصادية أخرى منها المهم ومنها المقبول، وقد خضع ذلك لدراسة واختيار لمن كانت الأفضل في نظره ونظر أسرته وأصدقائه ممن أيد اختياره ورآه حسناً وشجعه على المضي في سبيل تحقيق طلبه، وربما شاركه أولئك في الاختيار والتزكية فأقدم مرتاحاً لحسن اختياره مطمئنا لنجاح مشروعه. قبول الطرف الثاني(ثانياً) وقد أسس على المعايير ذاتها والاطمئنان نفسه بعد دراسة واستشارات و"نِشْدَة" عن الزوج. وبهذا تجد المشروع أشبع دراسة وتمحيصاً يستحقها مشروع مثله لأنه يسعى لأرباح معنوية تعود على الأسرتين بالاطمئنان والارتياح. وكم صحب فترة التفاهم من أمانٍ ووعود ذاتية لكل من الزوجين واحترام كبير بين أسرتيهما، وكم هي الفرحة التي صحبت مراسم الخطوبة والاحتفال بعقد القران، وقد يكون جرى خلال هذه الفترة وما قبلها من الأماني والوعود والتطلعات بين الزوجين إن جمعتهما علاقة عمل أو قرابة أو تواصل اجتماعي وطد بينهما علاقة حب متينة وبنيا من خلالهما أحلاماً ورسما خططاً لمستقبل حياتهما يتوج هذا التفاهم بترجمته إلى واقع جميل ومستقبل أجمل، وذلك لسان حال كل الأطراف المشاركة في المشروع من الأهل والأصدقاء والمستشارين وحاضري الاحتفال والمباركين من القرب والبعد. وكان البذل سخيا والدعم رضيا والدعاء صادقاً: بالرفاء والبنين، بالبر والأناة، مبارك، بالتوفيق، اختيار موفق.. وغير ذلك من العبارات الصادرة من الأعماق. لماذا كل هذا العناء؟ لأن هذا المشروع من أقدم المشاريع التي عمرت الكون ووطدت المودة و الرحمة بين أطراف أصحابه، وساهمت في تقريب الناس بعضهم إلى بعض، ودفعت شرورا تتهدد المجتمعات لو لم يقم هذا النظام الذي اختاره الله تعالى لبني البشر ليسود بينهم الاحترام والترابط وتحقيق التربية القويمة لحدثت مشاكل دامية أو لعشنا حياة الحيوانات الأخرى. ولكن الزواج رباط دعي بالمقدس لما يصاحبه من خلق كريم وتفاهم مكين، ولما يعلق عليه من آمال تساهم في صنع مجتمع كريم، ولاسيما وأنه يقوم على مودة وينتظر أن يؤدي إلى رحمة وتواصل. وبعد أن يستقر الزوجان في بيت الزوجية ويواجها مسؤوليات الحياة الجديدة، ويكشف لهما الواقع المعيش عن امتحان الزوجين ومدى مقدرتهما على المواجهة منهم من ينجح لإيمانه بأن الحياة تتطلب بذلًا وصبراً وتقبلاً لسنن المشاركة، ومنهم من يعجز عن ذلك متكلًا على الطرف الآخر أو متحللًا من مسؤولياته غير عابئ بواجبه وغير ساع لتحقيق الآمال التي كان يعد بتحقيقها متجاهلاً كل الأطراف الأسرية والداعمين لمشروعة ولا يستحضر أمامه سوى طرف واحد هو الزوج أو الزوجة فيصب عليه جام غضبه و يرد اليه أسباب فشل المشروع وينسى دوره في المشروع ونجاح الاختيار أو القبول والحب الذي أسس عليه الاختيار والقبول، وأقرب الحلول لديه ان كان زوجاً أن يحل الرباط بالطلاق غير عابئ بكل العلاقات الأسرية الأخرى ورابطة المودة والرحمة. وبالعودة الى أسرتها ان كانت زوجة أملاً في الاصلاح وارتياحاً من القلق وقلة الراحة. لاشك أن كلا الزوجين لا يسعى الى الفرقة، ولكن ضيق الصدور وفقدان احترام الطرف الآخر واليسر المادي وركوب أقرب الطرق للانفكاك كل ذلك يعجل بتدمير علاقة ذهبت ضحية التسرع والانفعال بعد أن كانت في أوج السعادة والأنبهار والفداء. وكثيراً ما يسابق الندم مشاعر الارتياح، فيتمنى كل من الطرفين ألا تصل المشكلة إلى درجة الطلاق فتظهر محاسن الآخر وسوء تدبير الطرفين لتجاوز المشكلات التي لا تخلو منها علاقة. ومثل ذلك ماحدث للشاعر سعد بن مشعل المطر في من بلي الذي كان يعيش مع زوجه حياة سعيدة كما يقول منديل الفهيد رحمه الله في الجزء الثامن من كتابه:"من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية" وهو كتاب قيم لا يستغني عنه باحث في الأدب الشعبي". ولقد تسرع سعد وطلق زوجته فندم من ساعته ندماً شديداً" إنها سورة الغضب التي نهى الاسلام عنها لما تعقب من أسى وندم وتضيع من مكاسب معنوية، وتدمر من علاقات. طلق سعد زوجته وندم ومر ذات يوم بمكان كانا ينزلانه وشاهد موقد النار وشيئاً من آثار الزوجة فتداعت أشجانه وتذكر العشرة وأيام الصفا، تلك المعاني التي تظل عالقة في الذهن فقال: نوّخت سمحة فوق مزموم الاطعاس أرمي نظر عيني على قد ظني جيت المراح وشفت به مَشْعة الراس وذكّر علّي جروحي اللي مضنِّ شِفت الثلاث اللي على الدار جلاّس أبى الخبر منهن ولا خبَّرني لي بنت عم ماوطت درب الأدناس يوم ان خطوات النسا يَدْنْسِنِّ أناخ ناقته سمحة على الاطلال وشاهد الأثافي وبقايا من شعر الزوجة فتذكر أيام السرور والعشرة الطيبة، وأخذ يسائل الآثار والاطلال عن أخبارها ولكنها التزمت الصمت مشاركة له في الأسى، ونسي أسباب الخلاف متذكراً حسنات الزوجة العفيفة المتميزة عن سائر النساء، لائما نفسه على تفريطه: شتمتها يوم احسب الشتم نوماس وطلقتها يوم افخت العقل مني هنا يحاسب نفسه أن شتمها معتقد أن شتم الزوجة من مفاخر الأزواج، ثم يعترف بأن طلاقه لها نتيجة خذلان عقلة، وهذا مايحدث في كثير من حالات الطلاق. ثم يصف حبه لها: لو ينشكي حبه على طير قرناس يضحي الضحى في ماقعه مستكنِّي ولو ينشكى حبه لعجلات الامراس تنفر من الحيران ما يرزمنِّي ولو ينشكى حبه على قب الافراس عيَّن نهار الكون لايطردنِّى فاجعة الفراق وطلاق مثلها لو بلغت الصقور الحرة ذات البكور في التحليق لظلت في أوكارها استنكاراً للحدث، ولو بلغت النوق السريعة لما أقبلت على حيرانها ترضعها ولما أكثرت من الارزام وهو الحنين العميق، ولو بلغت شكواه الخيل السريعة لامتنعت من الطراد في الحروب الحاسمة. هكذا يجسد الشاعر حسرته وشعوره بالذنب، وهي حالة تصيب أكثر المطلقين والمطلقات ذلك أن رابطة الزواج رابطة تضرب في أعماق العلاقات الانسانية وتترتب عليها صلات متعانقة مع أطراف ذات ترابط متين يصعب أن يشتته خلاف زوجين شدهما إليه اليقين بصلاح مشروعهما. ولقد كانت ردود الفعل لهذه الأبيات لدى والد الزوجة هليل المطرفي البلوي تتمثل في أبياته التالية: قولوا لابن مشعل خذ الهرج بقياس ذي عادة الايام لا أدبرنِّي اللي معه ميز وناموس بالراس يقدم لاهل عوص النضا كل فنِّ ويحط له بنٍّ وهيل ومحماس ودلال في حد الوريثة يجنِّ وحياة جلاب المطر رازق الناس يافيك نَبَّات الردى ماطرنِّي لكن ما ابغى اللمس في خاتم الماس حيث ان فنَّك ما يباعد لفني يبرر الشاعر للزوج بأن من عادة الأيام أن يتعرض الانسان خلالها لادبار الحظ، فيفقد أعز ما يملك، ثم يستدرك بأن الذين يحكمون عقولهم ممن يملكون التميز في التفكير والتريث عند مواجهة المشكلات يجدون من الحلول ما يجنبهم الوقوع في التحسر والندم، ويصف أولئك بأصحاب المنتديات والمجالس المعمورة بالجلاس والقهوة العربية التي لا تطفأ نارها، والوريثة جذع شجرة من القرض أو السمر أو العرعر ونحوها سميت وريثة من التوريث لأنها تظل مشتعلة فترة طويلة وأن جمرها يحفظ تحت الرماد لتشعل منه النار في اليوم التالي. ثم يعتذر إليه بأنه لم يخطر بباله اتهامه برداءة الصفات، ولا يود خدش العلاقة بمهاترات، لأن هذه الرابطة ذات معنى رفيع يمثلها بخاتم من الألماس ذلك المعدن المميز لاسيما وأن الطرفين سعد وهليل يشتركان في الاتجاه للمحافظة على القيم الاجتماعية السائدة بين ذوي الميز والناموس من أهل المعرفة والاحترام. ألا فليت ذكر الأزواج قناعاتهم بتأسيس بيت الزوجية وتحرياتهم التي أسسوا عليها قناعاتهم، وألا يخلفوا الظن بهم، وأن يتذكروا قوله تعالى:" ولا تنسوا الفضل بينكم". بعد كتابة هذا المقال نبهني الأخ بكر هذال الى نسبة الأبيات الى الشاعر شرعان ابن رمال، وبعد الاطلاع على مداخلاتٍ حول الموضوع وجدت أن البلوي عبر عن أسفه وتسرعه في أبيات قلائل تلقى رداً عليها من والد زوجه مما يؤكد الحدث. اما الرمالي فله قصيدة عصماء تعتبر من اجمل قصائد الندم، وأبيات البلوي نسبت ايضاً لشاعر حربي. ولما كانت النسبة لاتعنيني بقدر ما يعنيني الشاهد على نتائج سورة الغضب والتسرع ومن ثم الخسارة والندم فإن تحقيق الشاعر الأسبق هو ما يفصل في الأمر، وهذا كثير ما يحدث في الشعر الشعبي الذي يعتمد على النقل الشفهي فشكراً للأخ بكر ولو وجدت متسعاً لأوردت قصيدة الرمالي ايضاً وقد يكون لي تناول قادم حول تداخل القصائد وتشابهها.