قضى "صريح" نهار الصيام بالاستماع إلى فضيلة الشيخ القارئ "أحمد العجمي"، وقد حاول أثناء الاستماع إلى صوته الشجي أن يُتقن طريقة ترتيله للقرآن، الذي يبعث على الطمأنينة، وما هي إلاّ لحظات حتى دخل وقت صلاة التراويح، فلبس "صريح" ثيابه النظيفة، ومسح على يديه شيئاً من دهن العود، وارتدى الحذاء الأسود اللامع، وخرج بخطوات متباطئة نحو المسجد، يسير مخفضاً رأسه وشماغه، منسدلاً على ذراعيه يهلل ويستغفر الله، فيشده صوت غلام يصرخ محاولاً تقليد صوت مؤذن المسجد، فتقدم إليه وأمسك بكتفه ويهزه قائلاً له "يا ابني، حرام تزعج الناس بصوتك، حتى وإن كنت ترفعه بالحق"، هز رأسه الصبي بحركات عشوائية، ثم ابتسم ورفع ثوبه، وربط أطرافه على بطنه وهرب.. "صريح" يستغفر الله ويقبل باطن يديه ويقول: "لاحول ولا قوة إلاّ بالله، الله يثبت العقل علينا، ما عليك شرهة"، يدخل المسجد فيرفع الإمام صوته معلناً التكبير للصلاة.. يرصُ "صريح" قدميه بين المصلين ويكبر، وما هي إلاّ لحظات حتى ينطلق صوت الإمام بقراءة الفاتحة وسورة قصيرة، لينطلق "صريح" مرتلاً بصوت خفيف ومسموع مع الإمام، بطريقة الشيخ "أحمد العجمي"، فيمضي في صلاته وهو يجرب صناعة صوته بتلك الطريقة، ليتأكد من أثر التدريبات النهارية على صوته، مما أثار غضب بعض المصلين وامتعاض المقربين منه، والذين لم يستطيعوا أن يخشعوا في الصلاة. كل من جاور "صريح" في الصلاة قضى وقتاً عصيباً في محاولة الخشوع، في حين فضل البعض منهم أن يهرب إلى آخر الصفوف، أما "صريح" فلم يكن همه سوى إتقان ترتيل!.