لعل أهم قرارين في حياة كل شاب وفتاة هما: قرار اختيار الزوجة.. قرار اختيار العمل.. ومع ان اختيار الزوجة يأتي بعد ان يعمل الرجل، إلاّ أننا اعتبرناه الأول في الأهمية لعدة أسباب: منها ان تغيير العمل أسهل بكثير من تغيير الزوجة، والواقع ان معظم الأعمال التي يبدأ بها الشباب والشابات تكون على سبيل الاختبار أكثر من الاختيار لأن فرص العمل محددة في هذا الزمن، ولأن الشاب لن يعرف العمل الذي يلائمه على الحقيقة إلاّ بعد التجربة والاختبار.. أما اختيار الزوجة فهو أهم.. وأصعب.. وأولى بالتأني والتدقيق.. لأن تغيير الزوجة غاية في الصعوبة.. والطلاق أبغض الحلال إلى الله.. ومشاكله كثيرة.. وعواقبه خطيرة وخاصة إذا كان هناك أطفال.. إن من أجمل وأسهل الأقوال التي قرأتها في تعريف السعادة ذلك الذي يقول: (السعادة أن يكون عملك هوايتك، وزوجتك حبيبتك).. ذلك بأن البيت والعمل هما الهواء الذي يتنفس فيه الإنسان رجلاً كان أو امرأة.. فإن كان سعيداً فيهما وبهما فإنه يعيش في الهواء الطلق ويتنفس أنساماً عذبة طاهرة تملأ حناياه وخلاياه بالصحة والراحة والمرح والسرور. بنات حواء أعشاب وازهار، فاستلهم العقل وانظر كيف تختار (الشاعر القروي) وان كان شقياً في بيته وعمله، غير موفق لا في زواجه ولا في عمله فإنه يعيش في جو كاتم خانق للأنفاس قابض للروح طارد للمرح والفرح والسرور. والبيت أهم من العمل.. فمن لا يجد السعادة في بيته فلن يجدها في مكان آخر.. والبيت ليس بالطبع جدراناً وأثاثاً وحجارة، البيت امرأة.. المرأة هي روح البيت وقلبه فإما ان تكون روحاً طاهرة رافعة راقية، فعندها يضحك المرح من النافذة وتطئمن السعادة في هذا البيت وتستوطن ويسود الحب والتفاهم والاحترام والاحساس بجمال الحياة وينشأ الأطفال في جو من المودة والمحبة والحنان والاحساس بالرضا والأمان.. أو تكون الزوجة أو الزوج الذي سنفرد له مقالاً إن شاء الله ذات روح حاقدة كارهة لا يرضيها شيء ولا تعرف الحب والحنان والحرص على راحة الزوج، هنا يصبح البيت كالتنور، يمور بالحرارة الخانقة، والجو المخيف، والشعور التعيس، وينشأ الأطفال في أجواء الكآبة والشقاق والاضطراب فتمزق شخصياتهم وتسوء نفسياتهم ويصابون بالعقد والأمراض النفسية بادية وخافية.. إذن فإن اختيار الزوجة بحرص وعناية وتدقيق وصبر هو عين الحكمة، فمن تزوج على عجل ندم على مهل.. وقد قال شعراؤنا بالفصيح والشعبي أبياتاً كثيرة تحض على حسن اختيار الزوجة، وتحث على ان تكون من أصل طيب ومعدن نفيس وان تتحلى بالخلق والدين قبل الجمال.. يقول الشاعر: إذا تزوجت فكن حاذقاً واسأل عن الغصن وعن منبته أي كن ذكياً بعيد النظر مستقصياً للأمر من الجذور، بأن تعرف أهل الفتاة ما هي أخلاقهم وطباعهم وهل هم أجواد أم لا؟ إن معرفة الأصل والأهل والبيئة التي نشأت فيها الفتاة أمر أساسي، لأن التي منبتها حسن، وأهلها كرام، ستكون - بإذن الله - حسنة الخلق والسلوك، كريمة الطبع والعشرة وستنجب بإذن الله أولاداً تقر بهم عيون والديهم. لاتاخذ الا بنت قوم حميده، لعل ولد منها يجي بالفوايد (راشد الخلاوي) وقد ورد في الحديث الشريف: (تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه اخواتهن وأخوانهن).. وفي الأثر (تخيروا لنطفكم فإن العرق (دساس) وقال عثمان بن أبي العاص لابنه: يا بني، الناكح مغترس، فلينظر امرؤ حيث يضع غرسه.. والعرق السوء قلما ينجب». ويقول الشاعر: إذا أردت حرة تبغيها كريمة فانظر إلى أخيها ينبيك عنها، وإلى أبيها فإن أشباه أبيها فيها ويقول الشاعر الشعبي الحكيم (راشد الخلاوي): أوصيك يا ولدي وصاة تضمها إلى عاد مالي من العمر زايد لا تاخذ الهزلة على شان مالها ولا تقتبس من نارهم بالوقايد لا تاخذ الا بنت قوم حميده لعل ولد منها يجيك بالفوايد ويقول المثل المصري الشعبي يا واخد القرد على ماله يروح المال ويبقى القرد على حاله!