المتابع لجزء كبير من المشهد الثقافي السعودي بكل تحولاته وعناصره يلمس تزايد سيقان العنصرية داخل الكثير من الطرح.. حين يؤكد أحدهم حاجة اهل منطقة ما لوجود هيئة اكثر من غيرهم، وأن تلك المنطقة تحتاج لتثقيف ديني اكبر..! ثم يأتي عالم شرعي يؤكد أن علماء نجد ومن يتبعهم هم الفئة الناجية من النار، وهم من سيدخلون الجنة.. وحين يمارس علماء الدين فصلاً عنصرياً ايدلوجياً فئوياً، ويكرسون تلك الرؤى عبر تعميم الكراهية لكل منتمٍ لهذه الطائفة لمجرد الاختلاف مع احد أو بعض علمائها، فإن هؤلاء يبترون الوحدة الوطنية في مفاصلها مما يسبب الفتنة.. الاختلاف الطائفي، أو الاختلاف المناطقي ليس مبررا لاعتقاد التميز، وليس مبرراً ايضاً لاعتقاد الأحقية في هذا العمل، او المنصب، بل الجدارة والكفاءة هي المفصل والانتماء الوطني لا بد ان يكون هو الاطار الذي نقف عنده مهما اختلفنا في آرائنا وخاصة في هذه المرحلة.. العنصرية المناطقية لا تقل مخاطرها لصناعة مواقع الفتنة عن مخاطر الاختلاف الايدلوجي، ومجمل ذلك في نتائجه يماثل مخاطر العمل والفكر الإرهابي.. وضرره على الأمة لا يقل خطورة عن الحزام الناسف في خاصرة إرهابي.. تزايد روح الفتنة في متن الطرح الثقافي للاسف، خرجت من غير عباءة، وإن كنت ألوم كثيرا علماء الدين اكثر من غيرهم، فذلك لإدراكي بأهمية الخطاب الديني في المجتمع السعودي من ناحية، ولاستغلال اعدائنا في الخارج للاختلاف الطائفي في إشعال روح الفتنة داخل مجتمعنا في وقت نحتاج فيه للعمل على تكريس وحدة الوطن اكثر.. لعل المتابع للمشهد الثقافي السعودي يلمس حالة من التنافر بين الأطراف وهو ما لمسه الجميع، ولعل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله اول من تناول ذلك صراحة حين رفض تصنيفات البعض للبعض الآخر بين مسمى ليبرالي، وعلماني، وسلفي، ووهابي، وخلافه، من اطروحات الإقصاء للاختلاف، والاحترام لذلك الاختلاف وفق رؤية المنطق بحق الاختلاف، دون اقصاء، او مساس بوحدة الوطن، البعض للاسف يشعرنا انه الوحيد الحريص على الوطن، فيما هو يعزز من منابع الفتنه بكل مسبباتها الاجتماعية والطائفية.. حين يحتفل بعضنا بالقبض على متطرف، ويدافع عن آخر وفق رؤية طائفية، فهو زارع للفتنه لأن الإرهاب لا دين ولا طائفة له. وحين يعتقد آخر أن علماء نجد، ومَن يتبعهم هم الناجون وأهل الجنة، فهو يزرع الفتنه اجتماعياً وينخر في عظام الوحدة الوطنية. اخترقت المؤسسة الأمنية بكل قوة منظومة الارهابيين، واستبقتهم ولكن بقي الارهاب الفكري يمارس بكل صفاقة نحر الوحدة الوطنية وفق رؤى عنصرية ايدلوجية، او مناطقية، او اجتماعية، في الوقت الذي تعيش فيه البلاد حراكا إصلاحياً يتبناه خادم الحرمين الشريفين بكل وضوح وجدية.. الاختلاف في الرؤى أمرٌ طبيعي، بل هو من سياق القدرة الربانية، ولكن احترام الاختلاف معيار لنضج العقل، واحترام الذات والآخر.