للمواسم أزمانها .. وللفصول ألوانها .. وللقلوب أشجانها.. ! ** كلما تغضب الشمس وتحلق صلعة النهار في أرصفة الرياض .. ألتقي بي على مشارف امرأة ذات سفرٍ لاتؤوب منه .. ثمة أناس هكذا طازجون كفاكهةٍ بدائية لم تدخل يوما نظام التبريد ... تقطف قلوبهم اليانعة ثم حين يرحلون تفتّش عن غيرهم في زمن لايشبههم ... *** يالهذه الرياض .. كأنما هي قطعة من حياة لايغويها الصيف إلا بانتظار شتاء آخر وحين تستجيب لها يقيم فيها طويلا رغما عنها ... لم يتبقَّ في مطارها اليوم إلا المؤجَّلون دائما .. والمؤخرون عن مواعيدهم المهملة في توقيت الرياض ... أرصفتها مارّةٌ سائبة .. إلا إليك ..؟! حينما يداهمك الصيف هكذا وأنت تستحمُّ في عيون صغارك .. وتنمو في ضحى دوامك وتتأكد من أن هاتفك لايزال في ذاكرة من تحبّهم ... من سيأخذك يا إبراهيم وأنت تتصالح مع الشمس والظلام معا حينما تهجس في غيابهما وحدك : ( هذا الليل الذي يسكنني موعود بالصباح دائما ولو على سبيل الاحتمال ...) من سيأخذك إلا إليك يا إبراهيم ..!؟ *** ومن يجمعُ الآن حزنَ المدينةِ في سلِّة غير محدودبٍ أجّرته المواعيدُ أنفاسَها فاشترى الصيفَ دكَّانةً فوق ركنِ الرصيفْ .. مضى الليلُ .. أطعمتِ الريح أفراخها ثم جاءت تراقصُ عهرَ الستائرِ وفي الباب شاعرْ رأى لجةً في بلاد العذوبةِ .. لا بل رأى وجهها لايزالُ يقيمُ بلا مخبأ عن عيونِ الأغاني وعن وشوشات الخريفْ ..! رآني على بابها أجمع الظلّ أقتصُّ من حسرةِ الموتِ أنثى القصيدةِ أكتبها موعد الحزنِ حين يؤوب المساء الشفيفْ *** يتركُ الصبحُ أوَّلَه في رؤوسِ المآذنِ .. يمضي معي في دروب المدينةِ أعمى .. عصاهُ فمي .. والمرايا بسيارتي دوخةُ الظلّ من ناطحاتِ العوادمِ ... كنا سنستنسخ الريحَ لو أمهلتنا الظهيرةُ .. لكنها حملتْ قبلنا بعضَ وردِ المدينةِ .. نعناها .. والسماءَ التي يعرجُ الأنبياءُ إليها ... كلّهم مثل صمتي.. مضوا خلفَ عطرٍ قديمٍ وأجنحةٍ جفَّفتْها الملوحةُ قبل مجيئي إلى بابِ صوتي الكبيرْ ... لاشيء أخفيهِ ..ياسادتي .. لستُ إلا الغريبَ الذي يحفظُ الصبرَ عنوانُه .. وتفتّشُ عنه المدينةُ في غيبةِ النبلاءِ الكثيرينَ فيها.. فتلقاهُ ضحكتَها المستحيلةَ .. زورَ الشوارعِ .. أسماءَ من غادروا دورهم واستقاموا على الدربِ ..لكنَّ سقياهم الذارياتُ عشاءً .. ومأواهم النارُ بئس المصيرْ ..! لاشيءَ ..كان بصندوقِ أيامِهِ ..ساعةً للجريدةِ .. طاولةً للكلامِ وصومعةً للقصيدةِ .. أحجيةً للسريرْ ...! فوق مرآته امرأةٌ من ضبابِ الزجاجِ .. وبين ذراعيه سيدةٌ من حصادِ الصلاةِ .. وفي قلبهِ وردةٌ قلّمتْ شوكها .. وانثنتْ كالملاكِ الصغيرْ ...!