"جول" هذا ما يصرخ به المعلق والكاميرا تدور تلتقط انطباعات الجمهور المتفرج بين مبتهج مبسوط يرفع شعارات الفريق الفائز وبين نظرات الخيبة أو المفاجئة في عيون مشجعي الفريق المهزوم. وهذه الرياضة فوز وخسارة! وهذه هي الدنيا أيضا يوم لك ويوم عليك. السؤال الذي فكرت فيه وأنا أشاهد مشاحنة بين طفلين حول أحقية فريقهما المفضل بالفوز والتي تطورت لمباراة ملاكمة تدخل فيها الكبار كي يوقفوا اللكمات الطائشة والكلمات الأكثر طيشا لينزوي كل منهما في ركن وهو ينظر للآخر نظرة يملؤها الشر ولسان حالها يقول "حسابنا بعدين!".. السؤال الذي فكرت فيه هو: كم مرة نجحنا في أن نحرز هدفا في حياتنا ونصرخ "جووووول فني كبير مبهر"؟ السؤال الآخر الذي ألح علي هو: هل أنا وأنت من الهدافين أو من المدافعين أم من لاعبي الوسط أم أننا مثل حارس مرمى مبتدئ يقف عاجزا أمام الكرات المتتالية؟ قد تقول لا يهم أي هؤلاء كنت مادمت لست الكرة التي يتقاذفها اللاعبون ويرمونها يمينا ويسارا وتتلقى ضرباتهم! وقد أؤيدك في ذلك! كل منا يريد أن يكون الهداف، مركز الاهتمام، الشخص المميز الذي يشار إليه لتفوقه وتميزه وتملكه ما لا يملكه الآخرون. يتجلي ذلك مثلا في اهتمامنا بالمظهر ورغبتنا في أن نصنف ضمن فئة اجتماعية معينة، فما الهوس "بالماركات" الذي يزداد في جميع المجتمعات إلا ترسيخ لهذه الفكرة أو انسياق لها. وكل منا يريد أن يفوز بشيء ما، أن يفوز بوظيفة، بمقعد في الطائرة، في مكان في الصف الأول من طابور الوجبات السريعة، أن يحصل على ترقية، أن يتفوق في جدال نسميه بسذاجة حوار، لا أحد يفكر إلا بالفوز، بل إن هناك منا من يحسب مكاسبه المعنوية قبل المادية في آخر كل يوم وقبل أن يبدأ يوم جديد، وهؤلاء يعيشون جو المنافسة في كل لحظة بل ويختلقونه، فهم إن لم يكونوا في حالة منافسة مع الآخرين فإنهم في حالة منافسة مع أنفسهم أو مع شخصيات وهمية تعشش في ذهنهم، لذلك تجدهم في حالة تحفز دائمة، وتجدهم أيضا لا يستمتعون بما يحققونه ولا يقتنعون بما يملكون، وهؤلاء يتعبون أنفسهم قبل أن يتعبوا الآخرين. فأنت بدلا من أن تركز على ما تملكه وما تحت يديك وما حققته فإنك مشغول بملاحقة الآخرين ومراقبتهم، فهذا ترشح لدورة والثاني حصل على ترقية والثالث على أعتاب وظيفة جديدة والرابع اشترى سيارة ذات لون مميز ورقم أكثر تميزا والقائمة تطول. وأحيانا نحن نعيش حياتنا وعيوننا على الآخرين، فنحن وقبل أن نضع الكرة في المرمى نتلفت يمينا ويسارا لنرى ما إذا كانت عيون الآخرين مركزة علينا أم أنها مشغولة بشيء آخر! لذلك قد تجدنا مقيدين بعيون الآخرين ونظرتهم لأنها تهمنا! لكن لو قمنا بتجربة صغيرة وجربنا أن نعيش يوما واحدا بدون أن نهتم بنظرات الآخرين أو بتعليقاهم أو حتى بدون أن ننشغل بما يملكون وما يفعلون وما حصلوا عليه، قد نشعر بحالة هدوء وسلام وقد يختفي الضغط النفسي والعصبي الذي يؤثر سلبيا علينا.